أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
الجنين
رد الدكتور محمد دودح، المستشار العلمي بالهيئة العالمية، للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، على سؤال بشأن موعد نفخ الروح؛ وهل هو طبيا كما قال علماء الأمة الأجلاء بعد 120 يوما, أم هو كما يقول به البعض اليوم
بعد 40 يوما, وهل يجوز الإجهاض قبله؟
وقال أن موعد تحرك الجنين في القرآن الكريم: وفق
المصطلحات الوصفية في القرآن الكريم وعلم الأجنة يمر الإنسان بجملة أطوار تكوينية،
تتمثل أولا في النطفة الأمشاج؛ أي المختلطة العناصر الوراثية من الجنسين, وتتكون عند
الإخصاب fertilization في الثلث الخارجي لقناة الرحم
بتلقيح حوين منوي يحتوي على نصف عدد الفتائل الوراثية في خلية كل بشر للبويضة التي
تحتوي على النصف الآخر, فتتكون أول خلية بشرية Zygot تحتوى على
كامل الفتائل الوراثية (23 زوجا), ورغم تضاعف عدد الخلايا خلال الانتقال وحتى الغرس
بالرحم في نهاية الأسبوع الأول يظل الكائن الحديث الخلق بهيئة نطفة (قطيرة ماء) كروية
الشكل بالكاد ترى بالعين المجردة.
وأكمل : أن العلق وتكوين الجنين Embryo,
وفي هذا الطور الذي يستمر حتى نهاية الأسبوع الثالث يماثل الجنين العلقة leech؛
في الشكل الطولي كالدودة والعيش في سائل والتعلق والتغذي على دماء كائن آخر وانعدام
عمل الجهاز الدوري، وكذلك المضغة, وفي تلك المرحلة منذ بداية الأسبوع الرابع وحتى نهاية
السادس يكون الجنين بالفعل كتلة معتبرة كالمضغة؛ أي بحجم وهيئة ما يُمكن أن يمضغ وتظهر
عليه انبعاجات وعلامات الأسنان نتيجة لتكوين أوليات الفقرات والأعضاء.
وأشار إلى أن العظام والعضلات, وتكوين أوليات الهيكل
معلم بارز في تاريخ الكائن البشري حيث تبدأ الهيئة البشرية في الاتضاح مع تكون العظام
في الأسبوع السابع وتتضح أكثر مع تنامي العضلات في الثامن؛ وبنهايته تتكامل جميع أوليات
الأعضاء وتنتهي المرحلة الجنينية Embryonic Stage التي تبدأ
مع بدء طور العلق الذي يمثل البداية الفعلية لتكوين الجنين بالرحم.
وأضاف: أن مرحلة الحُمَيل fetus؛
وتبدأ هذه المرحلة مع بدء الأسبوع التاسع وتستمر حتى الولادة بعد حوالي 266 يوما منذ
تخصيب البويضة, وتسمى بالمرحلة الحميلية Fetal Stage, وتتصف بالنمو وتعديل
الهيئة وبدء وظائف الأعضاء في العمل, ومن الأحداث المهمة فيها اتضاح مظاهر الذكورة
في الشهر الثالث نتيجة لإفراز هرمون الذكورة وإلا بقي المظهر الموحد في الجنسين حتى
تتضح الأنوثة في الرابع, وتتضح للأم حركة الجنين الإرادية بنهاية أربعة أشهر علامة
أكيدة على الحياة الواعية.
وأردف قائلا: وتعجب أن يصف القرآن قبل اكتشاف المجهر أطوار الجنين في منظومة دلالية تتكامل بلا اختلاف رغم تعدد المواضع, قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ المؤمنون: 12-14, وفي مقابل دلالة حرف (الفاء) في التعبير (فخلقنا, فكسونا) على الترتيب والتعقيب بغير مُهلة فإن الأداة (ثم) تقتضي المُهلة؛ فتفيد تأخر مظاهر تكون إدراكه واتضاح حركته الإرادية بمدة أكبر نسبيا في مرحلة لاحقة تلت مرحلة تخليق أوليات الأعضاء التي انتهت باكتمال أوليات الهيكل العظمي والعضلات, والثابت علميا بالفعل أنه قريب الشهرين تكون كل أوليات الأعضاء قد اكتملت بينما يتأخر اتضاح حركة الجنين إلى أربعة أشهر؛ وأنه يمكن رصد انتظام دوري للحركة يعكس وجود فترات منتظمة من النوم واليقظة علامة على بدء المخ أداء وظائفه, قال ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ في تفسيره (ج5ص466): “(ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) أي: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار (خَلْقًا آخَرَ)؛ ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب”.
ولفت إلى أن في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: 28و29]؛
نقل الألوسي المتوفى سنة 1270 هـ في روح المعاني عن أبي حامد الغزالي المتوفى سنة
505 هـ تفسيره للتعبير بالنفخ بقوله (ج14ص36): “عَبَّرَ (عن إيقاد الوعي والحركة) بالنفخ
الذي يكون سببًا.. لاشتعال الحطب”, وفسر الألوسي مضمون المَثَل بقوله (ج23ص225): “نفخ
الروح فيه.. إعطائه قوة العلم والعمل”, وبعبارة أخرى: نشأة الوظائف الإدراكية وبدء
الحركة الإرادية, والأصل في دلالة لفظ (النفخ) في بادية العرب زمن التنزيل هو دفع هواء
النَّفّس ليشتعل الحطب وتتأجج النيران؛ وكَأَنَّ روحًا من الفم أوقدته وبثت في ذلك
الحطب المُهَيَّأ للاشتعال حركة وحياة, فاستعيرت صورة (النفخ) لبث الملكات العقلية
والحركة الإرادية في الجنين؛ وكأن الوعي والحركة اشتعال ما يلبث أن يتضاعف توقده ويتجلى
تأججه, وهو من روائع التمثيل ودقيق التعبير المطابق للواقع في القرآن الكريم.
وأشار إلى أن هناك رصد تم عن طريق أجهزة الموجات فوق الصوتية
حديثًا لبعض حركات إرادية للجنين كمص الأصبع ابتداء من الأسبوع السادس عشر؛ ويمكن في
وقت مبكر رصد بعض حركات فردية للعضلات قبل الحركة الإرادية المنسقة بين الجهاز العصبي
والعضلي, وبعد الأسبوع السابع عشر (أربعة أشهر) تكون الحركات الإرادية قد اتضحت تماما
نتيجة للنشاط الإرادي للجهاز العصبي, حيث قال ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ في كتابه
التبيان في أقسام القرآن (ج1ص218): “فإن قيل: الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه
حركة وإحساس أم لا؟؛ قيل: كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات, ولم تكن حركة نموه
وإغتذائه بالإرادة, فلما نُفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه”,
وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفى سنة 1421 هـ في تفسيره (ج34ص4): “والروح
لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها..؛ قال تعالى: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر
ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾ [الإسراء: 85], فينفخ الملك الروح في هذا الجنين
فيبدأ يتحرك، لأن نماءه الأول كنماء الأشجار بدون إحساس، (و)بعد أن تنتفخ فيه الروح
يكون آدمياً يتحرك”. وعند أهل الكتاب كذلك ما يوافق أن التمثيل بالنفخ كناية عن بث
الحياة الواعية للجنين, وتفسير العبارة (تكوين 2: 7): “نفخ في أنفه نسمة حياة”؛ في
قاموس الكتاب المقدس: “قد أوجد الله فيه العواطف الخلقية والميول الروحية والقوى العقلية..,
ولا يُراد بنسمة الحياة هذه عملية التنفس الطبيعي فحسب؛ وإنما المُراد منها هو أن الله
أعطاه تلك القوى العقلية والروحية مقترنة بالنفس الحية”, و”الروح هي العقل.. خلق الله
الإنسان بإعطاء حياة للجسد الذي صوره ثم بخلق روح عاقلة وهبها للإنسان”.