"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
سورة يونس
سور يونس مكية، وهي من السور القرآنية التي تعنى
بأصول العقيدة الإسلامية، والإيمان بالله تعالى وبالكتب والرسل والبعث والجزاء وبخاصة
الإيمان بالقضاء والقدر فالكثير من الناس مشككين في هذا الأمر ويحتارون ويجادلون في
القضاء والقدر وهل الإنسان مسيّر أم مخيّر ويشككون في عدل الله تعالى وحكمته ويسألون
أسئلة مشككة فيقولون مثلاً: لو هداني الله لاهتديت أو أن الله يعلم المؤمنين من الكافرين
في علمه الأزلي, فلن يفيد المرء ما يعمل إن كان الله تعالى قد كتبه في النار, وهذا
كله من ضعف الإيمان ومن التشكيك بأن الله تعالى هو الحكيم العدل وأنه ليس بظلاّم للعبيد،
وهو ما قاله المفكر الإسلامي الكبير، الدكتور فاضل السامرائي.
وأضاف أن سورة يونس، بآياتها ومعانيها نزلت لتثبت
حقيقة الأيمان بوحدانية الله جلّ وعلا والإيمان بالقضاء والقدر تارة عن طريق قصص الأنبياء
وتارة عن طريق تذكير الله تعالى للناس بقدرته وحكمته وعدله في الكون، لافتا إلى
أنه في حديث للنبي أن جبريل سأله أخبرني عن الإيمان فقال: الإيمان أم تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والذي يحدد ما إذا كنا مؤمنين
بالقضاء والقدر سؤال واحد نطرحه على أنفسنا: هل الله تعالى عادل حكيم أم ظالم والعياذ
بالله وإجابتنا هي التي تحدد موقفنا.
وتابع: تبدأ السورة بكلمة تثبت الحكمة لله
تعالى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) آية 1 وتدل على أن الحكمة موجودة
ثم تليها الآية (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ
أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ
رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ) آية 2 وكأن الذين
يتعجبون من اختيار محمد للرسالة كأنما لا يؤمنون بالقضاء
والقدر لأنهم لو آمنوا لما شككوا وتعجبوا ولعلموا أن هذا بأمر الله تعالى.
وأردف قائلا: تدبير الله وحكمته في الكون: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ
اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ* إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ
مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ* هُوَ الَّذِي جَعَلَ
الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ) آية 3، 4، ،5، 6. والآيات
(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ
وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن
يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ
اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)
31 و32
وأكمل أن هذه الآيات تستعرض لحكمة الله تعالى في الكون وفي كل ما خلق وتدعونا
للتفكر في هذا الكون الذي لم يخلق عبثاً ولا صدفة إنما خلقه الحكيم العدل وإثبات ذلك
واضح في تكرار كلمة (الحق) في هذه السورة فقد تكررت في السورة (23 مرة) لأن الحق عكس
العبث والصدفة وكل شيء في الكون خلق ويحيا بحكمة الله تعالى لذا علينا أن نسلّم بالله
ونتوكل عليه ولا نشكك بقدرته وتدبيره سبحانه. وكذلك ترددت كلمة (يدبر) في السورة كثيراً
فكيف نشكك بقضاء الله وقدره (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ
لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ) آية 53 و (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
آية 55 وكل هذه الآيات تؤكد أن الله حق وأن إدارة هذا الكون حق، وعرّفت الآيات بصفات
الإله الحق بذكر آثار قدرته ورحمته الدالة على التدبير الحكيم وأن ما في هذا الكون
المنظور هو من آثار القدرة الباهرة التي هي أوضح البراهين على عظمة الله وجلاله وسلطانه.
وأوضح أنها آيات، تنبيه للغافلين، الذين
يشككون ولا يؤمنون بالقضاء والقدر فهؤلاء يفقدون الجدية والإيمان الحق (إَنَّ الَّذِينَ
لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ
هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) آية 7 والله تعالى لا يظلم الناس أبداً لكن الناس
يظلمون أنفسهم نتيجة ذنوبهم ومعاصيهم لأنه حاشا لله أن يظلم أحدا (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا
الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ
وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ
خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) آية 13، 14، و
(إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
آية 44
وأكد الدكتور "السامرائي"، ليس في الكون صدفة ولا عبث فالحكمة واضحة والحق واضح فلا يجب أن نشكك
بالقضاء والقدر والله تعالى لا يظلم أحداً ولا يجبر أحدا على فعل ما لأنه سبحانه لو
أجبرنا على أعمالنا لما حاسبنا لذا فالناس مخيّرون في أفعالهم.
أفعال الناس تجاه قضاء الله تعالى: الآيات
تواجه المتعجبون من قدر الله ولكن أفعالهم أشد غرابة (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ
يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ
عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) آية 23 . فبعد أن نجاهم الله تعالى بغوا في الأرض بغير
الحق فكيف يلجأ الناس إلى الله تعالى فقط في ساعة الشدة ويعرفون أن لهم رباً يلجاؤون
إليه ثم يتكبرون بعد النجاة وكأن نجاتهم كانت من عند أنفسهم,
قصص الأنبياء عن التوكل على الله: عرضت
السورة قصص ثلاث من الأنبياء الذين توكلوا على الله فنجاهم الله تعالى وقد عرضت السورة
الجزئية الخاصة بالتوكل في كل قصة من القصص المذكورة وهذا لخدمة هدف السورة. وهذه القصص
تؤكد أن المؤمنين بقضاء الله وقدره يتكلون على الله والذين لا يؤمنون هم المشككون والمجادلون
في حكمة الله وعدله، بداية من قصة نوح الذي توكل على الله تعالى فأنجاه الله ومن معه
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ
عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ
أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ
إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) آية 71 ، وكذلك قصة موسى مع فرعون (وَقَالَ مُوسَى
يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ
* فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ) آية 84 و 85، وأيضا قصة قوم يونس (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ
فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ
عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية
98.