علم الوراثة يؤكد تحريم النسب بالرضاع.. إليك الأدلة

  • أحمد نصار
  • الأربعاء 20 ديسمبر 2023, 2:52 مساءً
  • 390
الرضاعة

الرضاعة

قال الدكتور محمد عبد الله نجا، الأستاذ بكلية الطب، والباحث في ملف الإعجاز العلمي في القرآن، إن أعداء الإسلام كثيرا ما سخروا من تحريم النسب بالرضاعة على اعتبار أن الرضيع تتحدد صفاته بالحمض النووي للنطفة الأمشاج، وبالتالي لا يمكن للبن المُرضعة أن يغير صفات الرضيع، وإلا لكانت البقرة أُماً للرضيع إذا رضع لبنها.

 

وأضاف: اعتبر أعداء الإسلام أن هذا التشريع لا يستند لأساس علمي، وأن أحكام الرضاعة في الإسلام تم أخذها من عادات العرب التي سبقت الإسلام، فقال أحدهم على موقع الحوار المتمدن: (تشريع الرضاعة مأخوذ من عادات العرب قبل الإسلام، فقد ذكر د. جواد علي في موسوعة تاريخ العرب قبل الإسلام، أن العرب كانت تقول نصاً: "حُرمة الرضاعة كحُرمة النسب" بينما الرسول محمد قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

 

وتسائل: هل فعلاً الرضاعة لا تؤثر في صفات الرضيع الوراثية؟ وهل أخذ الإسلام تحريم النسب بالرضاعة من العرب قبل الإسلام؟ وهل رضاعة لبن الحيوانات له قيمة في النسب؟ وهل أخذ الإسلام تحريم النسب بالرضاعة من العرب؟

وبين أنه بالعودة إلى موسوعة "د. جواد" للبحث عن ذلك النص المزعوم (حرمة الرضاعة كحرمة النسب) نجد أنه لا وجود له، وقد ذكر تعظيم العرب للرضاعة قبل الإسلام في فصل كامل اسمه (لبن الأم) في الجزء الثامن ص٢٣٤ - ٢٣٥، ولم يذكر هذه العبارة ولا أي شيء يفيد أن العرب كانت تحرم زواج الأقارب في الرضاعة، ويمكنكم البحث في كامل الكتاب ولو وجد أحدكم غير ما أقول فله مني ألف دولار.

 

 وردا على سؤال هل قرابة الرضاعة مادية وروحية كقرابة الدم؟، قال "نجا" إنه من المعلوم أن قرابة الدم ليست روحية فقط، فمحبة شخص لآخر ليست هي سبب القرابة، ولكن هناك سبب مادي مُعتبر في الإسلام وهو الصفات الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء عبر الأمشاج الذكرية والأنثوية التي تتحد معاً في بطون الأمهات مُنتجةً النطفة الأمشاج (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)، حيث تم مشج صفات النطفتين معاً، فتم تقدير الصفات الجديدة للجنين (من نطفة خلقه فقدره)، فكانت القرابة مادية بتأثير نطفة الأب التي قد تنزع شبه الولد للأعمام، وبتاثير نطفة الأم التي قد تنزع شبه الولد للأخوال.

 

وأكمل: لنا أن نسأل، هل قرابة الرضاعة مادية مثل قرابة الدم حتى تستحق تحريم النسب؟ والجواب هو نعم، فالقرآن قسّم المُحرمات من النساء في آية واحدة إلى ثلاثة أقسام على حسب التأثير الوراثي المادي، فقال الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).

 

وأشار إلى أن هذا الترتيب في ذكر المُحرمات من النساء يجعل تحريم النسب بالرضاعة وسط بين تحريم النسب بقرابة الدم وتحريمه بالمصاهرة، ولا شك في أن هذا الترتيب مُعجز من حيث بيان شدة التحريم من الأعلى إلى الأقل بحسب قوة الارتباط الروحي والمادي الوراثي، وتمثل في أن الله تعالى بدأ بقرابة الدم لأنها الأكثر تأثيراً على الصفات الوراثية (أمهاتكم، بناتكم، أخواتكم، عماتكم، خالاتكم، بنات الأخ والأخت)، ثم أتبعها الله بقرابة الرضاعة (أمهاتكم وأخواتكم من الرضاعة)، ولعل في ذلك إشارة لأن لها تأثير مُشابه لقرابة الدم ماديا ومعنويا، ثم ختم الله بقرابة المُصاهرة لأن تأثيرها معنوي ويكاد يكون تأثيرها الوراثي مُنعدم، وتشمل (أمهات نسائكم، الربائب من المدخول بها، حلائل الأبناء من صلبكم، الجمع بين الأختين).

 

 ونوه "نجا" إلى أنه قد جاء التأكيد على أن لقرابة الرضاعة سبب مادي في السُنة النبوية التي لا تُحرِم النسب بالرضعة والرضعتان (لا تحرم المصة ولا المصتان)، وإنما بخمس رضعات مُشبعات على الأقل بحسب الراجح من أقوال أهل العلم، وفي ذلك دلالة على أن التأثير مُرتبط بالكم، فكلما زادت الرضعات زاد الأثر المادي للبن المُرضعة على الرضيع، وهناك أحاديث أكدت على أن قرابة الرضاعة لا تثبت إلا بأثرها المادي في الرضيع من حيث إنبات اللحم والعظم، فعن بن مسعود أنه قال (لا رضاعَ إلَّا ما شدَّ العَظمَ وأنبتَ اللَّحمَ)، رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

ورد على سؤال: هل لبن الرضاعة له تأثير وراثي؟ بالقول: نعم، مشيرا إلى أن بصفة عامة أثبت العلم أن ما نتناوله من غذاء له القدرة على التأثير على الصفات الوراثية بآليات عديدة فظهر حديثاً علم جديد اسمه علم الجينات الغذائي (nutrigenomics)، وهو علم يدرس تأثير أنواع الطعام المختلفة على النشاط الجيني للإنسان من حيث الصحة والمرض، فالغذاء يمكنه أن يحمي الجينات كما يمكنه أن يصيبها بالتلف فتنشأ عن ذلك أمراض عديدة (١، ٢)، وبصفة خاصة وجد العلماء أن لبن الرضاعة له تأثير وراثي على الرضيع وذلك من خلال عدة آليات أقواها هو التأثير اللاجيني لأنه يمكن أن يمتد للأجيال التالية، وإن كانت الأبحاث تشير أيضا لتأثير بعض المكونات الوراثية التي تخرج مع اللبن مثل الخلايا الجذعية stem cells، والحمض الريبوزي الميكروي miRNA، والتي قد تؤثر على الصفات الوراثية للرضيع، والله أعلم ماذا سيكتشف العلم في المستقبل.

تعليقات