أمين "البحوث الإسلامية": تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
أكد الدكتور محمد جاد الزغبي، الباحث في ملف الإلحاد، أن الرؤية الضيقة لأقدار الله، قد تؤدي إلى إلحاد بعض الشباب، مشيرا إلى أن المسألة لا تتعلق بالشباب وحدهم، لكنها بالمنطق الطبيعي تكون أكثر ظهورا في الشباب قليل التجربة.
وبين أنه بالعموم
إشكالية فهم أقدار الله والتسليم لها هي الامتحان الأكبر في مواجهة الإلحاد والكفر
بعموم، منوها إلى أنها قضية عويصة انزلقت بسببها أجيال عبر التاريخ البشري، فالله عز وجل خلق الإنسان وخلق له
العقل المتطور، وهي خصيصة اختصها الله بالبشر وحدهم، فنحن مكلفون ومتطورون في نفس
الوقت.
وتابع: أي أن
إيماننا بالخالق ذو جناحين، جناح التكليف بالإيمان، وهو الذي
يشاركنا فيه تكليف الجن وغيره من المخلوقات التي لا يعلمها إلا الله، وجناح العقل المتحضر المكلف بإعمار
الأرض وهذه خاصة بالبشر وحدهم، فلا يوجد بين الجن والحيوان من يمتلك العقل القابل
للتعلم والتكيف والتطور بالعلوم التراكمية إلا في البشر.
وأوضح
"الزغبي" أن هذا سر تكليف الله لنا وحدنا بإعمار الأرض، والعقل المتطور أمام معضلة الإيمان لا
يواجه صعوبة حقيقية في حتمية وجود خالق للكون والحياة، فأقل عقل له القدرة على
القياس والتفكير سيدرك حتما أن للكون خالقا، بالفطرة البشرية وحدها حتى لو لم يوجد
سابق علم بالرسالات السماوية.
ونوه إلى أن ذلك
لأن العقل يتساءل ويقيس ويتطور فهمه كلما تأمل في الحياة وحده، وهو نص ما قرره
القرآن الكريم في قوله تعالى: وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ
ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ
أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِين".
وأكد أن الآية
الكريمة صريحة في أن الفطرة البشرية ستؤدي بالعقل لإدراك وجود الخالق ذاتيا، حتى
لو كان في معزل عن كافة الرسالات.
وأشار إلى أنه
طالما كان العقل محايدا غير منحاز فإنه يصل لتلك الحقيقة بسهولة، على نحو ما حدث
من تساؤل سيدنا إبراهيم عليه السلام وبحثه عن الحقيقة حتى هداه الله بالتكليف
والنبوة.
وأردف قائلا: أن
قضية الإلحاد من هذا الجانب قضية مهيضة الجناح يستطيع العقل المحايد بسهولة إدراك
عبثيتها بمجرد التأمل في نظام الحياة والكون، لكن التحدي الحقيقي يكمن في باقي فروع
الإيمان وهي ضرورة الإيمان بالملائكة والرسل والبعث واليوم الآخر والحساب والقدر
خيره وشره والجنة والنار.
وأضاف أنه من
بين كل هذه القضايا لا يقف العقل متحيرا ومتحفزا إلا أمام قضية (القدر)، فالغرور البشري الطبيعي يقنع الإنسان بقدرته
على استيعاب وتحليل ما يواجهه من الغموض، وهذا الغرور يدفعه دفعا لمحاولة فهم
فلسفة القدر وسببية ما يحدث من أحداث عامة أو شخصية في مواجهته.
وأكمل: على
المستوى الشخصي يكون الشباب هم أكثر فئة تحاول أن تفهم أسباب الفشل الذي يواجهها أو
الابتلاءات التي لا يفهمها بالذات إذا انتفت علاقة السببية المباشرة بين الحدث
وبين وقوعه.
واوضح أن الشاب
إذا فشل دراسيا بسبب تقصيره فهو هنا يمكنه فهم الفشل والإيمان بأنه جزاء مستحق، لكن التحدي يكمن في أنه يمتلك كل أسباب
ومقومات النجاح بالفعل، ثم يأتي الفشل على حين غرة دونما أي سبب مباشر، منوها إلى
أن ذلك يزيد من تعقيد الأمر أن يجد غيره ممن يراهم هو غير مستحقين للنجاح لعدم
توافر أسبابه ورغم هذا يتوفر لهم النجاح بغير أسباب.
وذكر أن جواب
هذا كله يأتي في حديث واحد شرح بأبلغ العبارات هذه القضية حيث يقول عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه: "إن
العبد لَيَهمّ بالأمر من التجارة والإمارة، حتى يتيسر له، نظر الله إليه من فوق
سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه
الله عنه، فيظل يتطيّر (أي يتشاءم)، يقول: "سبقني فلان، دهاني فلان"،
وما هو إلا فضل الله عز وجل عليه)
وأكمل كلامه
قائلا: وهنا يتضح لنا أن قانون السببية هو قانون مخلوق لله عز وجل ولا يُتَصور
خضوع الخالق لقانونه، فالأسباب كما شرح العلماء يجب أن نتعامل معها عند العمل
بأنها كلها شيء ثم نترك النتيجة لله وكأن هذه الأسباب ليست بشيء، وهذا أمر طبيعي ومفهوم حتى بالمنطق
البشري.
وأشار إلى أن الله
عز وجل وحده هو الذي يمسك بالخيوط، وهو الذي يراك في حاضرك ومستقبلك، وهو الذي
يعلم بحقيقة الخير أو الشر لك بعكسك أنت نفسك فقد تظن الخير شرا أو العكس وكان يمكن للخالق ألا يعطيك أسباب
النجاح من البداية، لكنه يعطيك أسباب النجاح كاملة ثم يحجب النتيجة عنك قدرا،
لتعلم يقينا أنك لم تقصر في الأخذ بالأسباب، وأن حجب النتيجة عنك إنما هو فضل من
الله لشيء تعجز عن فهمه لذلك فخلاصة فهم (القدر) تكمن في
معادلة مباشرة مؤداها "إن أعظم فهم للقدر هو أن تقر بأنك عاجز
عن فهمه".
واختتم: إذا
أيقنت بهذا، وعملت به وترك كل شيء لله واكتفيت بأن تأخذ بالأسباب دون التعلق
بالنتيجة فثق عندها أنه في يوم ما سيكشف لك الله حكمة ذلك جزاء إيمانك.