هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..
أما بعد..
فمع بدايات العمل على زراعة الأعضاء في العالم، والمسألة
مطروحة على الفقهاء باعتبارها نازلة، وكل نازلة فلها حكمها في الشريعة لأن الشرع
باق ما بقي الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم، كما قال تعالى:
{مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّهِ
وَخَاتَمَ النّبِيّينَ} [الأحزاب: 40]، فرسالته هي الرسالة الخاتمة، فلابد أن
تحوي الأحكام التي يحتاجها البشر، ومن هنا قال الإمام الشافعي: "فقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
فليس تنزل بأحد نازلة؛ إلا والكتاب يدل عليها نصاً أو جملة [الأم للإمام الشافعي (7/298)].
وقد اجتهد الفقهاء في استخراج الأحكام الفقهية لكل النوازل
التي تنزل بالأمة، باجتهادات فردية، أو باجتهادات جماعية في المجامع الفقهية
والمؤسسات العلمية، والجهد كثير مبذول مشكور.
ولما أعلن من بضعة أشهر أن بعض الجراحين الأميركيين تمكنوا من زراعة كلية خنزير في جسد مريضة، في خطوة اعتبرت قفزة في مجال الطب، خاصة لجهة تقبل جسم المريضة للعضو الجديد وزعموا أن الكلية الجديدة عملت تماما كما لو أنها كانت منقولة من جسم بشري. إلا وبدأ الحديث عن حكم ذلك لمن احتاج هذه الزراعة من المسلمين.
وكان قد سبق ذلك الحديث عن استخراج الإنسولين المحتاج له في
مرض السكر، فإن مرض السكري من الأمراض كثيرة الانتشار، ومراحله المتقدمة قد تسبب
الوفاة أو البتر للأعضاء، أو فقدان النظر وغير ذلك، وهو ينتج من خلل عضوي يتسبب في
نقص في إفراز مادة الأنسولين من غدة البنكرياس، فيحتاج مريض السكر إلى تعويض ذلك
في بعض الحالات، وتم استخلاص مادة الأنسولين من العجول ثم اكتشف أنواع جديدة من
الأنسولين مستخلصة من الخنزير لها مميزات طبية، ولم يتم استخلاصها من العجول بعد،
والأبحاث مستمرة، فظهرت الأسئلة حول هذا الإنسولين البشري الذي يحضر بطرق كيماوية
تبدأ بمعالجة الإنسولين المشتق من حيوان الخنزير بسلسلة من التفاعلات الكيماوية
لاستبدال بعض مكوناته من الأحماض الأمينية للحصول على منتج نهائي يسمى بالإنسولين
البشري يتطابق في تركيبه مع مكونات الإنسولين الآدمي، وأدلى الفقهاء بأقوالهم في
ذلك، واستقرت فتاوى كثير من الهيئات على الجواز للضرورة ولكونه يستحيل، فقالوا:
أنه "لا مانع من استعمال الإنسولين .. لعلاج مرضى السكر بشرطين: أولهما: أن تدعو إليه الضرورة. وثانيهما: ألا يوجد بديل يغني عنه ويقوم
مقامه. [قرار هيئة كبار العلماء رقم (136) وتاريخ 20/6/1407هـ]. وأفتى بذلك قطاع
الإفتاء في الكويت، وبناه على موضوع الاستحالة، فقد عرض على اللجنة السؤال التالي:
هل مسموح باستعمال الأدوية المستخرجة من الخنازير؟ فأجابت اللجنة: "ذا كان
لحم الخنزير أو دهنه أو عظمه قد خرج قبل الاستعمال عن طبيعته حتى تحول كيميائياً تحولاً كاملاً إلى مادة
أخرى، فيجوز استعماله في الأكل وغيره، سواء أكان تحوله بنفسه أم بالمعالجة. أما إن
بقي على طبيعته، فلا يجوز تناوله أو استعماله. ومع هذا، فليس للمسلم أن يتولى
معالجة شيء من أجزاء الخنزير بتحويلها بقصد الاستعمال. والله أعلم"
[فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت (2/ 135)].
فلما ظهر موضوع زراعة الأعضاء من الخنزير للمسلم، بدأ الفقهاء بالإفتاء في ذلك، إلا أن هذه المسألة أكثر إشكالاً من موضوع الإنسولين، لأن مسألة زراعة الأعضاء عامة في ذاتها محل خلاف لم يستقر فيها الأمر، مع اتفاق الجميع على منع بيع الأعضاء، حيث البيع فرع عن التملك، ولا يملك أحد أعضاء جسمه، ثم إن بيع الإنسان لأعضائه فيه امتهان له، والله عز وجل مكرم له فخالف مقصود الشارع من هذا الوجه.
كما اتفقوا على منع زراعة الأعضاء الجنسية كالذكر والخصيتين
أو المبيضين من إنسان إلى آخر، لأن الخصيتين والمبيضين فيها سر الوراثة، وفيها سر
الإمناء، وكذا حرمة نقل المبيض؛ لأن المبيض فيه سر الخلق والوراثة. [مجلة مجمع
الفقه الإسلامي العدد السادس (ج3/ ص2001-2012) الفقه الميسر (12/ 99)].
ووقع الخلاف في التبرع بالأعضاء، أو أخذ بعض أعضاء الموتى،
فتكلموا في جواز نقل قرنية عين من إنسان بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان
مسلم مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك، بناء
على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على مصلحة
الميت. وليس في أخذ قرنية عينه مثلة ظاهرة. [الأحكام الشرعية والطبية للمتوفى في
الفقه الإسلامي (ص: 93)].
وأيضاً فمسألة التداوي بالمحرم فيها نصوص في الخمر وغيرها،
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ؟ فأجاب:
"التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ حَرَامٌ, بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ
الْعِلْمِ. ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ {سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ
تُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ, فَقَالَ: إنَّهَا دَاءٌ, وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ} [رواه
مسلم]. وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ: أَنَّهُ {نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ}.
[رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
(إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) [قال
الألباني: إسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم وصححه ابن حجر في الفتح],
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي
فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا} [وحسنه الألباني ولفظه في ابن حبان:
(إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام)]. وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ {سُئِلَ عَنْ
ضُفْدَعٍ تُجْعَلُ فِي دَوَاءٍ, فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا) [رواه أبو داود والنسائي
وغيرهما، وصححه الألباني] وَقَالَ: (إنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ) [رواه الطبراني
وغيره بلفظ: نهى عن قتل الضفدع ؛ وقال: نقيقها تسبيح، وضعفه الألباني في السلسلة
الضعيفة]، ثم قال شيخ الإسلام: "وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ
لِلْمَيْتَةِ, فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَطْعًا. وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ, وَالأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ, فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى
الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ. دَخَلَ النَّارَ. وَهُنَا لا
يُعْلَمُ حُصُولُ الشِّفَاءِ, وَلا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدَّوَاءُ, بَلْ
اللَّهُ تَعَالَى يُعَافِي الْعَبْدَ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ, وَالتَّدَاوِي
لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ, وَلا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا,
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" [الفتاوى الكبرى (3/6)].
فعلم أنه لا يجعل هذا ضرورة كأكل المضطر للميتة، لأنه لا يحصل به الشفاء، ثم التطبب ليس واجباً.
وفي فتوى دار الافتاء المصرية قال الشيخ عطية صقر رحمه الله:
"وأرى أن التداوى بالخمر ممنوع فليس فيها شفاء، والحلال متوفر، أما المحرمات
الأخرى فلا مانع من التداوى بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخف حرمة".
[فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 109، بترقيم الشاملة آليا)].
وأما استخدام الكحولات كمذيب في بعض الأدوية أو نحو ذلك، فهو
لا يظهر فيها أثر الخمر، ولذا قال ابن عثيمين: "وأما ما يكون من مواد الكحول
في بعض الأدوية، فإن ظهر أثر ذلك الكحول بهذا الدواء بحيث يُسْكَر الإنسانُ منه
فهو حرامٌ، وأما إذا لم يظهر الأثر وإنما جعلت فيه مادة الكحول من أجل حفظه، فإن
ذلك لا بأس به، لأنه ليس لمادة الكحول أثر فيه. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/
31)].
فهذا في التداوي بالمحرمات، لكن النصوص في التداوي بالخمر
أصرح في المنع.
والفقهاء السابقون تناولوا التطبب بالخنزير أيضاً، بغير
الأكل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "التداوي بأكل شحم الخنزير لا يجوز، وأما التداوي بالتلطخ
به ثم يغسله بعد ذلك فهذا مبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة وفيه نزاع
مشهور، والصحيح أنه يجوز للحاجة، وما أبيح للحاجة جاز التداوي به اهـ". [(مجموع الفتاوى 24/270)].
وقال الإمام الروياني الشافعي: «إذا انكسر عظمه -أي الإنسان-
فاحتاج أن يرقعه بعظم نظر، فإن رقعه بعظم طاهر، وهو عظم ذكي يؤكل لحمه جاز، ولذلك
إذا انقلعت سنه، فجعل مكانها سن حيوان يؤكل لحمه ذكيًّا جاز، وإن أراد أن يرقعه
بعظم نجس، وهو عظم كلب أو خنزير أو عظم ميتة لم يخل من أحد أمرين، إما أن يكون مضطرًا
إليه، أو غير مضطر، فإن كان مضطرًا إليه، بأن لم يجد غيره جاز له أن يرفعه به؛
لأنه موضع ضرورة، فهو كأكل الميتة، وإن لم يكن مضطرًا إليه لم يجز أن يرقعه به».
[بحر المذهب 2/194، ونحوه في المجموع للنووي المجموع (3/139)].
إلا أن هذا كله يفارق زرع الأعضاء، لأن جل ما سبق إما أنه لا يدخل الجسم أصلاً، أو أنه يدخل بعد أن يستحيل استحالة مطهرة لنجاسته.
أما زرع الكلى أو القلب أو غيرهما فالخنزير نجس، والأصل في
الانتفاع بالخنزير أو بأجزائه هو الحرمة، قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا
أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ
فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]، وقال رسول الله r: (إنَّ اللهَ ورَسولَه حَرَّمَ بَيعَ
الخَمرِ، والمَيْتةِ، والخِنزيرِ، والأصنامِ). [متفق عليه]، وإجْمَاعَ
الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ الْخِنْزِيرِ واسْتِعْمَال أجزائه؛ لِنَجَاسَةِ
عَيْنِهِ [الإقناع لابن القطان (2/109)]. قال ابن حزم في مراتب الإجماع:
"واتفقوا أن لحم الميتة وشحمها وودكها وغضروفها ومخها وأن لحم الخنزير
وشحمه وودكه وغضروفه ومخه وعصبه حرام كله وكل ذلك نجس" [مراتب الإجماع
(1/23)]، وقال أيضاً: "واتفقوا أن الخنزير ذكره وأنثاه صغيره وكبيره حرام
لحمه وشحمه وعصبه ومخه وغضروفه ودماغه وحشوته وجلده حرام كل ذلك واختلفا في
الانتفاع بشعره" " [مراتب الإجماع (1/149)]، وقال أيضاً في لبن الخنزير:
"الخنزير فانهم اتفقوا أن لبنه حرام" [مراتب الإجماع (1/150)].
وعليه فمن أجاز قال: "أصل التداوي بجزء من أجزاء الخنزير، كزرع كُليته في جسم الإنسان هو الحرمة، إلا في حالة الضرورة المُلجئة، أو الحاجة التي نزلت منزلة الضرورة، فيجوز استثناءً بشرطين، الأول: فقد البديل الطاهر، والثاني: أن يكون الضرر المترتب على الزرع أقل من عدمه، ولو بغلبة الظن؛ سيما أثناء إجراء عملية الزرع وبعدها، لما هو مقرر طبيًّا عن خطر عمليات زراعة الأعضاء، وما تستلزمه من استخدام أدوية لتَثبيط الجهاز المناعي، وما تنطوي عليه من إمكانية رفض الجسم للعضو المزروع، إضافةً إلى العديد من المُضَاعَفات الخطيرة على صحة المريض وحياته، فضلًا عن أن عملية زرع كُلية الخنزير في جسم الإنسان لم تزل في الأطوار التجريبية. [مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وموقع أخبار البلد].
وخلاصة الأمر فأرى أنه
من أعظم المحاذير في القول بالجواز:
-. أن استخدام ذلك قد يؤدي إلى الاهتمام بتربية الخنزير، وإنما
جاءت الشريعة بغير ذلك، وأيضاً: فإن "التواجد في أماكن صناعة الخمر أو
تقديمها أو تربية الخنازير أو اصطيادها لا يجوز أيضاً لما في ذلك من إقرار المنكر
والرضا به" [فتاوى الشبكة الإسلامية (12/ 13168، بترقيم الشاملة آليا)].
-. ثم قد جاء النهي عن وضع الضفدع في الدواء، والخنزير أخبث.
-. ثم جاء الشرع أنه لما ينزل عيسى عليه السلام يقتل الخنزير، ففي
الصحيحين عن أبي هريرة t قال رسول الله r: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر
الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية
ويفيض المال حتى لا يقبله أحد).
-. وليس في زراعة هذه الأعضاء ضرورة ظاهرة باعتبار ان التداوي ليس
واجباً حتى يكون الأمر في حد الضرورة أو الحاجة الملجئة.
وعلى المقابل فخلاصة ما ذكروه من الدوافع الشرعية التي تجيز
زرع أعضاء الخنزير في جسم الإنسان أمور:
-. فأكبر دافع ذكروه هو البقاء على النفس الإنسانية، فهو من مقاصد
الشريعة المتفق عليها، فالأمر يصل إلى حال تدعو الضرورة له، ولا يوجد ما يقوم
مقامه من الطاهرات في التداوي ورفع الضرر. لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
[البقرة: 173]. فحياة الإنسان مقدمة على هلاكه لذا فهناك ضرورة، وهذه الضرورة تقدر
بقدرها. فحفظ النفس مقصد شرعي مطلوب.
-. وأضيف أنه لعل هذا الأمر يتوافق مع (قتل
الخنزير)، فلعل الله تعالى أبقاه ولم يأمرنا بقتل خنازير أهل الذمة ليستفاد منها
في هذا الأمر الطبي.
-. ثم إذا صار الأمر بين أخذ كلية من إنسان متبرع بكليته ليعيش كل
من المتبرع والمتبرع له بكلية واحدة مع الآثار الطبية المترتبة على ذلك، أو أخذ
الكلية من الخنزير، وبقاء المتبرع بكليتيه على حاله، فهذا أظهر في الجواز.
-. وأيضاً إذا وازنا بين أخذ كلية ميت مسلم مع مفسدة شق بطن الميت
المطلوب منا تكريمه لا التمثيل به، وبين أخذ كلية الخنزير، فيترجح أخذ كلية
الخنزير.
-. ثم إن قوائم الانتظار في كل العالم كبيرة لانتظار متبرع حي أو
ميت (بوصية)، في حين لن نجد مثل هذا في أخذ كلية الخنزير.
فهذه الأمور قد يراها بعض الفقهاء أظهر في الفتوى بالجواز،
ولكن محل الإشكال في مسألة نقل قلب خنزير، لأن القلب عضو خاص، بل في حالات زراعة
القلب من متبرع قبل الوفاة، رصد التغير في أخلاق الشخص المتبرع له بما يوافق
الأخلاق التي كان عليها الميت (المتبرع بالوصية)، وهذا يقتضي المنع في موضوع زراعة
قلب الخنزير لمسلم، لأنه لا يؤمن أن يكون فيه دياثة الخنزير التي تظهر مع أكل
لحمه، وحفظ الدين مقدم على حفظ النفس، إلا إذا ثبت أن ذلك لا يؤثر، فيكون كالكلية.
وأما كون التداوي واجباً أو مستحباً، فقد ثبت في السنن عن
النبي r أنه قال: (تداووا فإن
الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم) [وصححه الألباني]، وروى الحاكم أنه r قال: (إن الله لم ينزل داء؛ أو لم يخلق داء
إلا أنزل؛ أو خلق له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام قالوا: يا رسول
الله وما السام قال: الموت) [وصححه
الألباني]، وفي المسند بسند صحيح: (عاد رسول
الله r رجلا به جرح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا له طبيب بني فلان قال : فدعوه فجاء فقال : يا رسول الله
ويغني الدواء شيئا فقال: سبحان الله وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له
شفاء).
فمن رأى قوة الاستدلال بهذه الأحاديث على وجوب التداوي للأمر
فيها به، فيمكن له الأخذ بالقول بالجواز، فقد يقوى عنده كون هذه الحالات من
الضرورة أو ما يقرب منها، ومن رأى بقاء التداوي على الاستحباب، أو الإباحة لحديث
الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال عن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت: (إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن
شئت دعوت الله أن يعافيك. فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا
لها)، فقد استدل بذلك غير واحد من العلماء على إباحة التداوي لا وجوبه، وعليه فلا
يلزم الأخذ بزراعة الكلى، ويصبر على البلاء الذي نزل به.
وبهذا يتضح منتزع كل من الفريقين، والقول بالجواز أقرب عندي،
إلا أنه لا ينبغي التوسع في ذلك بتربية الخنازير، ولاسيما أننا لسنا في حاجة لذلك،
كما ينبغي على مراكز البحوث في الدول الإسلامية أن تسرع في إيجاد البديل من غير
الخنزير والحيوانات النجسة المحرمة، ولا ننتظر الغرب أو الشرق ليبحثوا على وفق
أهوائهم المخالفة لشريعتنا، والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم
كتبه:
أ. د.
خالد فوزي عبد الحميد حمزة
الأستاذ
الدكتور بجامعتي العلا ومينيسوتا