هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
إن تفسيرات نشأة الحياة لا تصنّف في فلسفة
العلم أو لدى علماء التطبيقيّات علمًا رصديًّا تجريبيًّا science
، بل من الأحرى ألّا تكتب في كتبه، حيث إن
مكانها في كتب الخيال العلمي لا كتب البحث العلمي، حيث إن العلم يمر بمراحل كثيرة،
تتلخص في الرصد واللاحظة، وإبداء الافتراض والتفسير، ثم تجربة الافتراض، ومحاولة
هدم نتائج التجربة وإثبات خطأ نتائجها، وباجتياز كل هذه الخطوات تصبح المسألة
حقيقة علمية.
هنا نلاحظ كيف أن مسائل الماضي البعيد التي
يفترضها المتنطّعون لم ترتقِ في الأصل إلى المرحلة الأولى، حيث إنها لا تخضع للرصد
والملاحظة، فلم يشاهد أحد نشأة الكون ولم ترصَد بداية الحياة، وكل تلك التفسيرات
الإلحادية خيال علمي لا يرتقي للبحث العلمي، فهي
pseudoscience وليست science.
الخداع الأكبر .. التهويل بالمصطلحات
هنا يكمن الخداع الأكبر للعالم، فالمشكلة أنهم
يستخدمون مصطلحات علمية فيما ليس علميًّا، ولا يخضع للمنهج العلمي، فيتوهم العامة
أنه علمٌ راسخٌ وهو ليس كذلك، بل خيال علمي! ولشدة التشابه بين الخيال العلمي
والبحث العلمي، يلتبس على المليارات حول العالم الأمر!
فالمشكلة أنهم ينجحون في خداع العامة بالتلاعب
بالألفاظ هذا فينخدع غير المتخصص ويُتلاعَب بعقولهم، فلو قلت لك: إن الكربون اتحد
مع الهيدروجين لينتج زيتًا مركّبًا من آلاف الذرات، وهذا الزيت صالح للطبخ، ولو
جئتُ لك بعالم مرتشٍ واثق بذاته، أو أخرجت لك فيلمًا وثائقيًّا متقن الصنع لتأكيد
كلامي حول هذا الزيت المزعوم لصدقتني، لأن الكلام يقدّم وكأنه محاضرة علمية، أو
لأنني خريج في الجامعة الفلانية، أو ربما لأني استخدمت كلمتي كربون وهيدروجين، حيث
يُعتاد أن هذه المصطلحات تقال في دروس الكيمياء، فنتوهّم أنها علم صحيح إلا أن
التنسيق بينها في جملتي تلك ما هو إلا خيال علمي!
فالعلم يبنى على الأبحاث لا على الادعاء بلا
دليل، واستخدام مصطلحات العلم في العلم الزائف ما هو إلا تضليل لملايين الناس من
غير المختصين، وإلا فلننظر إلى علماء لا ينتقدون ذلك المحتوى بأي دافع ديني أو
منظور ديني مثل العالم الأمريكي جيمس تور في كتابه The
mystery of life’s origin المنشور في عام 2020م وكيف نسف ادعاءات التطوريين حول نشأة الخلية
الأولى، وكيف أن عليهم التحسّر على المليارات المهدَرة في الترويج لتلك الادعاءات،
وأنهم بحاجة إلى تأليف سيناريوهات متجددة كلما فضح المتخصصون في علوم الكيمياء
تزويرهم لوعي العامة.
ديكتاتورية التنميط والانتشار
رغم أن المنهج العلمي يرفض مناقشة أي كلام غير
مبنيٍّ على الملاحظة، فكذلك يبدو –لي على الأقل-أن مناقشة نظريات الإلحاد والتطور
أقرب للعب بالمطّاط، فإعادة تأليف السيناريوهات شيء ممكن للغاية، وكذلك تحريف
المقالات كل بضع سنين وإطلاق العنان للخيال كي نوفر للطبيعة ظروف معيّنة لتحقّق
التطور وإمكان العشوائية في إنشاء الحياة عن طريق التفاعلات الكيميائية! إلا أننا
هنا أمام قرار إلحادي مسبَق يلقى دعمًا هائلًا وشعوًرا بالحاجة الماسة للعثور على
أي تفسير علمي –ولو كان زائفًا- يدعمه.
نحن أمام دكتاتورية في فرض اعتقادات معيّنة على
الناس، هذه الدكتاتورية نشرت ذلك الهراء في كل كتب الكيمياء والأحياء حتى يكون
تصديقه سهلاً وفرضًا على كل طالب لتلك العلوم، وإن لم تصدقه فليس أسهل من أن توصف
بأنك متخلّف ورجعي تتبنّى معتقداتك الدينية على الحقائق العلمية!
إننا أمام ملايين الشباب ممن فقدوا هويتهم
الإسلامية بسبب غسيل العقول المنصب عليهم، الغسيل الذي اجتمع عليه الغرب
والمتغرّبون، حيث يقنَعون بأن الغرب ونظرياته المسيطرة محض علم دون إلحاد.
إن الكثير من المجتمعات العلمية اليوم تحظر
انتقاد تلك النظريات الخاطئة، وربما تضع مستقبلك المهني والأكاديمي على المحكّ
فتحرَم من الدخول والمشاركة في الأبحاث العلمية لا لشيء إلا أنك تحترم عقلك ولا
تنساق خلف هراء العلم الزائف، فقد أصبح ادعاء العلم الرصدي التجريبي وسيلة لنشر
معتقدات وأيديولوجيات معينة، وما دمنا نتعامل مع مئات الأفلام الوثائقية وملايين
الكتب حول العالم الناشرة لهذا الهراء فأنت لا تتعامل مع مجتمع علمي ينشر علمًا
زائفًا أخطأ في نشره، بل إنك تتعامل مع دين يتم الترويج له باسم العلم. فهي مسألة
حرب عقائدية وغسيل عقول وليست أمانة علمية تستحق المناظرة والجدال.
إن من أعظم آليات غسيل العقول استغلال جهل
الناس بتلك المسائل، فترى فيلما وثائقيًّا يمر على مناطق شائكة مليئة بالأخطاء
العلمية في بضع ثوان، وكأنه شيء بسيط للغاية، فتراهم يقولون عبارات مثل (تم إنشاء
بروتين عن طريق تفاعلات كيميائية) فقط، وهكذا بكل بساطة ينتقل إلى الموضوع الذي
يليه، وكأنه يصنع كعكة إسفنجية اقتبس وصفتها للتو من قناة طبخ! كل ذلك ليخدع العامة أن المسألة بسيطة جدًّا.
أما في كتب العلم، فإنك لا ترى كتابًا في
الكيمياء أو الأحياء إلا ويقدّم مسألة الخلية الأولى تلك وكأنها من مسلّمات العلم،
إلا أن حبكة الدراما تختلف حسب ميول هوى المؤلف، فتراهم يقولون مرة إنها نشأت في
محيط عميق، ومرة بجوار بركان ساخن، ومرة في بركة ساكنة، إلى آخر تلك الخيالات.
تديُّن الإلحاد والتطوّر!
لقد بات حق الطعن والنقد لها علميا أمرًا غير
مكفول لأحد، فالأمر أصبح ديًان لا علمًا، وعندما يكون الأمر دينًا يرتدي عباءة
العلم، فلا تخاطب بالعلم إلا عالمًا، ولا تخاطب بالعقل إلا باحثًا حقًّا عن
الحقيقية
لقد أصبح الإلحاد دينًا كسائر الأديان البشرية
الوثنية، وكما أن الأديان تستند إلى نصوص كتب مقدسة تعتبر مرجعية لها في الاعتقاد،
فإن هذه الكتب التي لا تخضع للعلم الكوني ولا تكون نتاج أبحاث علمية في المعامل قد
باتت كتبًا مقدسة للإلحاد ومرجعية لفكره.
ويا للعجب، كيف لا يلتفت عموم الناس إلى غموض تفسير أصل الحياة على مدار مئتي عام الماضية، أي منذ تصاعد نزعة التطور وسطوتها، ذلك الغموض الذي لم تنكشف أي من أسراره على مدار مئات السنين إلى يومنا هذا. ذلك السر الذي مازال مبهما بعد كل تلك المحاولات البائسة. وذلك السر الذي لم يحظى بأي تفسير علمي ولكنه حظي بألف “تفسير خيالي” أُلْبِسَ عباءة العلم بالإكراه كذبًا وتزويرًا.
لم يتلفت أحد أيضًا- إلا قلّة من أهل العلم- إلى
أنّ كل ذلك الضجيج كان مبنيًّا على حرب عقائدية بين الإلحاد والإيمان، وليست مجرد
حربٍ بين نزعة علمية وما يضادّها من الآراء، فهل يعقل أن أحدًا لم يلاحظ أن تلك
التجارب الكيميائية يستطيع من له أدنى اطلاع أو دربة أن يجريها ويختبرها اليوم،
ليصل بكل يقين وتأكيد إلى أن الادعاء بإمكان نشوء الحياة لمجرد وجود بعض الأحماض
الأمينية هو أقبح ممن يدعي أنه يستطيع أن يخترع ناطحة سحاب لمجرد أنه يمتلك طوبة
في مكان ما من الكون!
لقد عمدوا إلى هندسة العقول فغيروا فيها
وبدّلوا، فكان الأمر أشبه برسم سيناريو درامي ثم إخراجه، فهم يمتلكون رواية تقول
إن الحياة نشأت بتلك الطريقة، وكل ما ينقصهم هو تأليف السيناريو، ثم بعد أن ينجحوا
في تسويق عشرات السيناريوهات وربطها بما في المؤلفات من تناقضات، يخرجون إلى عامة
الناس بدين جديد مفاده أن هذا حدث بالفعل ومن ناقض فهو جاهل متخلف قد كفر بدين العلم!.
ولا سبيل لهم –والحال كذلك- لنشر تلك الخرافات إلا أن يسيطروا على كتب العلم
والمحتوى العلمي في المدارس والجامعات لينشروا التفسيرات الإلحادية في الكتب
العلمية، ولينتجوا أجيالًا من المؤمنين الذي يعتقدون أن الدين ينفكّ عن العلم
ويتصادم معه، وأن على الفرد أن يختار في مفترق الطرق هذا إما العلم أو الدين، بل
إن وجود أعداد كبيرة في هذا المفترق بحد ذاته سبب كبير لنشر الإلحاد في العالم.
ماذا لو؟
قد يسألني سائل: لو كنت ترفض ما قالوا لفشلهم
عن إثباته علميًّا فيما مضى، فماذا تفعل لو أنهم نجحوا في ذلك بالفعل بعد عشرات
السنين، فلعلهم يستطيعون اختراع خلية حية في المعمل من الصفر، ثم تتطور تلقائيًّا
إلى كائن ما، ألا يكون هذا أكبر دليل على أحقية الإلحاد والتطور في تفسير وجود
الكون؟!
ففي الجواب –بكل اختصار- أقول: لو أنهم نجحوا
في ذلك، فإنهم –في المحصّلة- لم يخترعوا شيئًا أو يخلقوه، فإن الميكانيكي الذي
يفكك السيارة ويعيد تركيبها فإنه لا يصح أن نقول إنه اخترعها، وإنما قلد مخترعها،
وحتى إن قلد صانعها في بناء قطَع التبديل، إلا أنه لم يأت بأصل جديد (من العدم).
إن علماء الأحياء قد يقلدون بناء شيء مما خلقه
الله لاطلاعهم على دقائق الخلايا، إلا أنهم مقلدون لا مخترعون، ولو نجحوا في ذلك
فإنهم –في المحصلة- مستخدمون لعناصر موجودة بالفعل –الكربون والهيدروجين
والأكسجين.. إلخ – ليحصلوا على نتيجة معينة باستخدامهم لها، فهم يعيدون تركيب ما
هو موجود، ولا يخلقونه، وما مثلهم إلا كم يمسك كلمات متعددة لينشئ منها جملة
مفيدة، وكذلك إعادة التركيب ليست بخلق.
بل أكثر من ذلك، فإن النجاح في إظهار أي مكون حي حتى لو خلية حية كاملة لن يكون دليلًا على الإلحاد، بل هو أعظم دليل على الإيمان، حيث إن التوصل إلى هذا الإنجاز يستلزم آلاف السنين من التراكم المعرفي وبناء التقدم العلمي ومئات الآلاف من العلماء والأجيال الباحثة ليتوصلوا إلى إنتاج خلية حية واحدة –على سبيل المثال- الأمر الذي يتطلب علمًا كثيرًا وحكمةً عقلية عالية لإنشاء خلية حية واحدة فقط. فإذا كان إنشاء ذلك من قبل الإنسان العاقل المريد العليم الحكيم بكل هذه الصعوبة والزمن الطويل، فكيف يمكن للمادة العمياء أن تنشئ كل أنواع هذه الحياة المعقدة المبهرة إذا كان الإنسان ذا العقل والوعي والعلم يعجز عن فعل ما هو أسهل من ذلك، فإن المادة الميتة أعجز وأعجز، وإن الميكانيكي الذي أعاد تركيب قطع الغيار لم يخترعها وإنما فهمها ثم أعاد تركيبها، وإن الصناعي لم يخترع السيارة بل قلّد المصنّع في صناعتها، وإن الله وحده الخالق من عدم، فسبحان الله المتعالي عمّا يصفون.