مفتي الجمهورية: الشريعة تهدف إلى بناء مجتمعات قويةٌ أفرادُها بدنيًّا وخُلقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا وروحيًّا

  • أحمد حمدي
  • الثلاثاء 09 نوفمبر 2021, 6:32 مساءً
  • 754

قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الإسلام قد أرشد إلى السعي للارتقاء بحياة البشر جميعًا، ويظهر ذلك في ثلاث وظائف جعلها الإسلام من مهمة الإنسان، وهي عمران الأرض، واستخلاف الإنسان فيها، ثم الإصلاح؛ فقال تعالى عن المهمة الأولى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}، وقال عن الثانية: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، ثم جعل الإسلام الإصلاحَ من جملة التكاليف الشرعية. ويُفهَم هذا الوجوب مما ورد في النصوص الإلهية من الحديث عن عاقبة إهمال القيام بواجب الإصلاح؛ قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}، ففي الآية الكريمة يُبيِّنُ الله تبارك وتعالى أن سبب نجاة الأمم من الهلاك ليس في صلاح أهلها فقط، وإنما في إصلاحهم وقيامهم بهذا الواجب.

جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في مؤتمر "تفعيل دور منظمات العمل الأهلي في التصدي للقضية السكانية"، الذي يقام تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعي، وتنظمه الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية.

وأضاف أن العمل والتكسُّب وحفظ البدن والترفه بالنعم واستخراج ما في الأرض من خيرات واستصلاحها وسد حاجات الناس المعتبرة وتجنب الفساد والإفساد… كل ذلك ونحوه هو من الإصلاح.

وأوضح فضيلته أنه يُعبَّر عن ذلك وغيره في الاصطلاح الحديث بـ"التنمية المستدامة" وهو مصطلحٌ يدل على عملية تغيير شاملة لشتى جوانب الحياة من أجل خدمة الإنسان وتحقيق آماله وغاياته؛ فالتنمية في معناها الشامل تعني بناء مشروعٍ حضاريٍّ متكاملٍ يتوافر فيه التكامل والتوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هذا المفهوم المعاصر والإسلامي قد تكامل في رؤية الدولة المصرية للتنمية المستدامة؛ ففي عهد فخامة الرئيس السيسي تُقدِّرُ الجمهورية الجديدة قيمة الإنسان وتجعل من المواطن المصري الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة والمستدامة، ومن ثَم كانت مبادرات فخامة الرئيس المتعددة في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة الفقر والقضاء عليه من أعظم المنجزات التي تسعى نحو توفير حياة كريمة للمواطن المصري باعتباره ركيزة أساسية في عملية التطوير الشاملة التي تقوم بها الدولة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقال فضيلته: "لا يُظَن أن التنمية المستدامة طريقٌ معبَّدٌ سهلٌ، بل هو مَعَبَرٌ مليء بالمعوِّقات التي لا بد من القضاء عليها؛ وأحد أهم هذه المعوقات يتمثل في الزيادة المُطَّردة في عدد السكان؛ فإنها كما تُعد عقبةً في طريق تحقيق النمو الاقتصادي تُعد كذلك سببًا مباشرًا في الفقر والجهل والمرض".

وأكد أن القضية السكانية قضية أمن قومي لها تأثير سلبي مادي وبدني ومعنوي كبير على الأبوين والأولاد فضلًا عن المجتمع؛ والشريعة إنما تهدف إلى مجتمع قويةٌ أفرادُه بدنيًّا وخُلقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا وروحيًّا؛ فالإسلام لا يقصد مجرد وجود نسلٍ كثيرٍ لا قيمة له ولا وزن، وإنما يُريد نسلًا قويًّا، موضحًا أنه ليس للإسلام غرض في كثرة النسل إن كان يؤدي إلى الجهل والفقر والمرض وعدم الرعاية؛ قال عليه السلام: تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قِلَّة نحن إذن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم حينئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل.

وشدَّد على أن قضية محاربة الانفجار السكاني تُعد إحدى أهم القضايا التي تحتاج إلى رفع درجة الوعي والإدراك لدى المصريين، حيث أصبح المواطن مدركًا تمامًا للعواقب الوخيمة التي تنتج عن الزيادة السكانية غير المنظمة.

وأشار فضيلة المفتي إلى ضرورة تكاتف الجميع لحل القضية السكانية، والدولة وإن قامت بدورها في سبيل ذلك فإن هذا الدور لا يتم إلا بوعي وعمل طوائف المجتمع أفرادًا وجماعات ومؤسسات، وتأتي على رأسها منظمات العمل الأهلي باعتبارها أهم المؤسسات التي تُسهم إسهامًا كبيرًا في جمع شمل الدولة المصرية تحت راية واحدة هي راية الوطن العزيز مصر، وأيضًا تسهم إسهامًا كبيرًا في مواجهة التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، وهي تسعى إلى تحقيق مشروعها العظيم مصر الحديثة.

وتابع فضيلته: "ولما كان من أهم آليات التصدي للقضية السكانية التوعيةُ بمخاطرها والحث على تنظيم النسل وتوفير الدعم اللازم لاستخدام وسائله ومشاركة مؤسسات الدولة في تنفيذ خططها الاستراتيجية في هذا الصدد؛ كان ذلك من أهم أدوار منظمات العمل الأهلي، ولا يتم ذلك إلا بوضع آليات تنفيذية مبنية على رؤية عميقة ودراسات دقيقة بطريقة علمية حديثة ووسائل منهجية تتجاوز مرحلة المشاركة المجردة في تنفيذ الخطط الموضوعة إلى مرحلة المشاركة في الرصد والتحليل ومتابعة جميع جوانب القضية السكانية وآثارها وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية".

وأضاف أن أولى خطوات تفعيل دور منظمات العمل الأهلي في التصدي للقضية السكانية هو العمل على بناء الوعي المجتمعي اللازم للتصدي لهذه القضية، وينطلق هذا البناء من تحديد أهداف التوعية بالقضية السكانية، ويمكن بيانها في أمور:

الأول منها: خلق الإدراك وزيادة الوعي بالقضية السكانية، يليه إمداد أفراد المجتمع بالمعلومات المُختلفة عن وسائل التصدي للانفجار السكاني، والثالث: الحثُّ على مُشاركة أفراد المجتمع في التصدي للقضية، ثم إكساب الفرد المعلومات والمهارات المختلفة ليكون معاونًا لمنظمات العمل الأهلي في التصدي للقضية السكانية.

وأوضح فضيلة المفتي أنه من هنا يأتي أوان الانطلاق لتنفيذ البرامج التوعوية حول اتخاذ الوسائل اللازمة للمشاركة في الحد من الزيادة السكانية من خلال زيادة الوعي بين أفراد المجتمع، والتثقيف الأسري بما يكفل تمكين أفراد المجتمع من المشاركة في ذلك، وتأهيل الكوادر المجتمعية من الشباب للمشاركة في جهود التوعية بخطورة القضية، وتقديم خدمات المشورة والدعم، واتخاذ تدابير فعَّالة ومبتكرة للعمل المبكِّر على التوعية بالقضية واتخاذ الوسائل اللازمة للحد من الزيادة السكانية، وتنفيذ قوافل توعوية باستخدام وحدات متنقلة.

وأكد أنه ينبغي في هذا المقام على منظمات العمل الأهلي التعاون مع المؤسسات المعنية لتطوير الخطاب الإعلامي والديني وتنميته في مجال التصدي للقضية السكانية وتشجيع الإعلاميين والخطباء على تناول هذه القضية، وبخاصة الكوادر المؤهَّلة والقادرة على ذلك، مع زيادة دعم وتشجيع البرامج الإعلامية للحث على تنظيم النسل ووضع البرامج التنفيذية المعاونة على ذلك، وعقد دوراتٍ تدريبيَّةٍ متطورة للإعلاميين والخطباء في مجال التوعية بالقضية السكانية تركز على كشف السلبيات التي تلحق الفرد والمجتمع.

كما ينبغي لها التعاون مع المؤسسات التعليمية لنشر التوعية والثقافة بين الطلاب في المدارس وتعريفهم بسلبيات الزيادة السكانية ووسائل التصدي لها.

 

وقال فضيلته: "إن العمل الأهلي المنظَّم للتصدي لهذه القضية سوف يقضي على هذه المشكلة من جذورها، ويدعم جهود الاستقرار المجتمعي في وطننا، وسوف يوفر علينا كثيرًا من المشكلات الاجتماعية والخسائر الاقتصادية؛ إضافةً إلى ما سوف يؤدي إليه من دفع عجلة التنمية والإصلاح الاقتصادي الذي يعود بالرخاء على الشعوب والأفراد."

وشدد مفتي الجمهورية على أن تنظيم النسل يُعدُّ حلًّا أكيدًا في هذا العصر للزيادة السكانية، وعليه تقوم المصلحة التي هي مصدرٌ من مصادر التشريع، وهو طريق لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يتعارض تنظيم النسل مع الإيمان بالقضاء والقدر ولا يُعدُّ اعتراضًا ولا تدخلًا في قدر الله تعالى؛ لأن تنظيم النسل ما هو إلا لونٌ من مباشرة الأسباب التي أَمَرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا، مؤكدًا أن تنظيم النسل لا يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم من النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر؛ فهذا التشريع متعلق بقتل النفس أو قتل الجنين الذي له روحٌ مستقرة، ولا يمكن أن يكون حجةً أو أساسًا للقول بأن القرآن الكريم ينهى عن تنظيم النسل؛ كما أن تنظيم النسل لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»؛ فالحديث فيه الحض على الزواج والنهي عن العزوف عنه، ثم إن التباهي إنما يكون بالقوة والكيف الذي تتمتع به الذرية عن طريق توفير الرعاية والعناية الكافية.

واختتم مفتي الجمهورية كلمته بقوله: "إنه لا شك أن النهضة المصرية وتحقيق رؤية الدولة في تحقيق التنمية المستدامة بالعمل الدءوب وَفقًا لتخطيطٍ حكيمٍ لن تتحقق إلا بتشكيل وعيٍ شامل في المجتمع؛ وذلك لأن العلاج الناجع فرع الوعي الرشيد، ومؤسسات تكوين الوعي تلعب دورًا حيويًّا في توعية المواطن بخطورة الانفجار السكاني وأهمية مساندة الدولة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة؛ ومن هنا تظهر أهمية مثل هذه المؤتمرات التي تُعدُّ أداةً فعالة للتوعية بالطريق الأمثل لسعادة الدنيا والآخرة".


تعليقات