باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
ظاهرة العنف في المجتمع – الأسباب ووسائل العلاج
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالعنف
والتطرف نوعان شهدهما المجتمع الإنساني منذ قديم الزمان، وتأتي قصة ابني آدم -عليه
السلام- هابيل وقابيل أول قصة تمثِّل كيف يصل العنف والتطرف تجاه أمر من الأمور
إلى حد القتل، حينما قدَّم قابيل وهابيل قربانًا فتقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل
قربان قابيل فدفعه هذا الأمر إلى أن يتطرف ويصرخ في وجه أخيه هابيل قائلاً: (لأَقْتُلَنَّكَ)؛
قال الله -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ
آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ
يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة:27).
هذه
القصة التي وردت في القرآن الكريم تؤكد أن العنف والتطرف مرتبطان بالنفس الإنسانية
حينما تخرج عن حد الاعتدال والوسطية إلى الانحراف وفكر التخلص من الآخر!
ويعد
العنف من الأمور الطارئة في حياة الأمم والشعوب، والتي يؤثر وجود العنف فيها على
الاستقرار والأمن في المجتمع، وهناك فرق بين العنف كظاهرة طارئة والعنف كثقافة
مجتمع، وكلاهما خطر بلا شك وإن كان النوع الثاني أشد خطرًا.
ولتحقيق
تماسك بنيان المجتمع وضمان أمنه، فلابد من السعي إلى القضاء على ظاهرة العنف أو
التقليل منه، ولقد بحث الكثيرون في "ظاهرة العنف" واجتهد مَن
اجتهد في تشخيص الداء وفي وصف الدواء، ولا بد أن نعلم أن العنف الذي يمارسه البعض له عدة أسباب ومنها: أن
الأسرة قد فقدت دورها الرقابي على
الأبناء، لاسيما بعد وجود حالة الانفتاح التي شهدها العالم عبر مواقع الانترنت، ومن
الأسباب كذلك انتشار الفن الهابط المدمر الذي يشتمل على قصص الخيانة والقتل
والبلطجة، وهو فن ينشر الرزيلة في المجتمع، وكذلك الفقر المدقع وهو بيئة خصبة تنمو فيها مظاهر العنف المختلفة،
ومن الأسباب كذلك انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها، ومن ثم يخرج الإنسان عن وعيه
ويرتكب كثيرًا من الجرائم، ومن الأسباب كذلك انتشار الفكر المنحرف لدى البعض، ومن
ثم يتعرض الشخص لانتكاسة فكرية تؤهله لأن يكون عنيفًا، ومن الأسباب كذلك الضغوط
الاجتماعية التي يعاني منها البعض في كثير من المواطن، ولعل من أهم الأسباب غياب
دور المسجد، أو تقليص دوره وحصره في إقامة الصلوات فقط، وهنا ينشأ جيل لم يترب على
الفضيلة وحسن الخلق ومعرفة الحلال والحرام، ومن الأسباب أيضًا تحجيم دور الدعاة
المصلحين والعلماء الربانيين، وتصدير أهل الفن وأمثالهم من القدوات السيئة في
المجتمع، والرفع من شأنهم ومنزلتهم، ومن الأسباب أيضًا عدم الشعور بالرضا والإحساس
بالظلم والقهر وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، مما ينتج عنه
انهيار الحالة النفسية والمعنوية لدى الكثيرين والوصول إلى مرحلة اليأس التي تسيطر
على البعض، ومن الأسباب أيضًا رفع سن الطفولة في بعض الدول إلى ثمانية عشر عامًا،
وهنا يعجز القضاء عن محاسبة من قام بارتكاب بعض جرائم القتل والاغتصاب والسرقة
ونحو ذلك، وعمره مثلًا ثمانية عشر عاما إلا عدة أيام أو أسابيع، حيث أنه سيتعامل
أمام القضاء كطفل، في حين أنه لو تزوج لأنجب.
والسؤال
كيف يتم مواجهة ظاهرة العنف؟
بعد أن ذكرنا أهم الأسباب التي تؤدي وتساهم في نشر ظاهرة
العنف نقول: إن من أهم وسائل مواجهة ظاهرة العنف والبلطجة؛ أن يعود الدور الرقابي
بشكل عام وشامل؛ سواء على مستوى الدول والحكومات أو على مستوى الأسرة، ثم إعادة
النظر فيما يُنشر من أفلام ومسلسلات تحض على العنف والبلطجة، ومن أهم الوسائل
أيضًا إصلاح السياسة الداخلية وتحقيق العدالة الاجتماعية، إذ لا
شك أن تشديد العقوبة فقط لا يؤدي إلى القضاء على ظاهرة العنف المجتمعي بأشكالها
المختلفة دون أن يصاحب ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن، وإقامة
النظام الاقتصادي والتكافلي الذي يحقق العدالة الاجتماعية التي أولاها الإسلام
عنايته الفائقة, وهذا التكافل يقوم على أساسين هامين: المجتمع كله, والدولة التي
تمثل ذلك المجتمع، وفي القرآن الكريم نصوص كثيرة تدل على هذا, وينبغي أن نعلم أن
العدالة الاجتماعية لابد أن تنبثق في المجتمع مِن تصور اعتقادي شامل يرد الأمر كله
لله، ويقبل عن رضي وعن طواعية ما يقضي به الله -تعالى- من عدالة في التوزيع، ومِن
تكافل بين الجميع، ثم تطبيق صحيح للقانون الموافق لشرع الله -تعالى- من خلال
القضاء العادل.
ومن وسائل مكافحة ظاهرة العنف كذلك: أن يعود للمسجد دوره
المنوط به، والاهتمام بتربية النشأ على الكتاب والسنة، وغرس معاني الخوف من الله
وخشيته في نفوس الأبناء، وتحقيق معاني الإخوة بين أبناء المسلمين، ثم لابد من عدم
تصدير أهل اللهو وأصحاب المهرجانات والمغنيين على أنهم قدوة المجتمع وصفوته، ثم
لابد من الضرب بيد من حديد على أيدي تجار المخدرات التي يسعون في الأرض فسادًا
ويقومون بتدمير الأجيال تلو الأجيال.
وأخيرًا:
إن استمرار العنف ، والمظاهر المصاحِبة له، والتمادي على القانون والاعتداء على
الآخرين – يحتاج إلى تضافر الجهود وعلى الجميع أن يقوم بدوره تجاه تلك الظاهرة.
والله
المستعان.