أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
شارك فضيلة الدكتور شوقي علام -مفتي جمهورية مصر العربية- في فاعليات مشروع استعادة الوعي بكلية دار العلوم الذي تقيمه الكلية بمحاضرة عن بناء الوعي ومكافحة التطرف.
وبعد كلمته التي رحَّب فيها عميد كلية دار العلوم د. عبد الراضي عبد المحسن بمشاركة فضيلته، افتتح فضيلته محاضرته بتحية لهذا المشروع الوطني لبناء الوعي، وثمَّن توجه الدولة المصرية لهذه القضية المهمة.
ثم استأنف فضيلته المحاضرة بطرح قضية التوثيق والتثبت، وأكد أنها منطلق الوعي الرشيد، وأنها قضية نشأت لها منظومة علوم، فأمتنا أمة التثبت وطرد الأفكار المزيفة.
وأشار فضيلته أن قضية بناء الوعي الصحيح قضية أصيلة في المفهوم الإسلامي؛ فالمسلم الحق هو الذي يبني وعيه ليس على معرفة الخير من الشر فقط، بل على إدراك أي الخيرين أفضل ليفعله؛ ومن ثم تأتي أهمية المنظومة الإفتائية والمقاصدية كجزء من أدوات الوعي السديد مثلًا لذلك. فالفتوى لها رباعية، كلها تُعنى بالتوثيق والتبصر، تبدأ أولًا من التثبت؛ وهو إجابة سؤال: هل؟ ثم الفهم؛ وهو إجابة سؤال: ماذا؟ وقد أنشئت له منظومة علوم على رأسها علم أصول الفقه، ثم: لماذا كان ذلك الحكم؟ وعليه خرجت نظرية التعليل، ثم: كيف؟ أي كيف ينزَّل النص على الواقع؟ فنحن أمام منظومة متكاملة للوعي والسعي.
وأردف فضيلته أن هناك ما يُعرف بالتخلية في هذا المقام، وهي نبذ مفاهيم الفِرق والجماعات الضالة ومحاربتها، وهي قضية أساسية عند كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممثلًا لذلك بحديث حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني". وحتى يمكن بناء العقل الواعي لا بد من إزالة المفاهيم والتصورات المخالفة للتصور الصحيح.
وحذر فضيلته من أن الجماعات المتطرفة درجت على بناء وعي مزيف، باستغلال العاطفة الدينية والحماسة الإيمانية مع قلة العلم فأسسوا مجموعة من المفاهيم كانت عاملًا مهمًّا في تغييب العقل وتزييف الوعي.
وأضاف فضيلته أن من أخطر المفاهيم المزيفة التي روجتها تلك الجماعات المتطرفة مفهوم جاهلية المجتمعات الإسلامية مع إقامتها للشعائر الدينية وحبها لله ورسوله والإسلام، وهو بمثابة التكفير الصريح للأمة الإسلامية التي هي خير أمة أُخرجت للناس.
وأردف فضيلته أن ما حدث مع الخوارج الذين ناظرهم عبد الله بن عباس نموذج يحتذى للرصد والتحليل في التعامل مع الخوارج.
ولفت الانتباه إلى رصد ابن عباس ما عندهم من أفكار وشبهات، محللًا كلمة ابن عباس: جئتكم من عند أمير المؤمنين، التي تدعو إلى التمسك بالدولة، ومن عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تدعو إلى المنهج السديد في مقابل منهجهم المزيف.
ثم استعرض فضيلته جهود دار الإفتاء المصرية لرصد الفكر المتطرف وتحليله في كتاب "التأسلم السياسي" الذي رصد الثمرات الخبيثة والفشل لهذه الجماعات على مدى التاريخ.
وانتقد فضيلته جهود الوعي المزيف مستنكرًا غزو العقول التي لم تنضج بالتلقين المحض، من غير رجوع للمنهج العلمي والعلماء المعتبرين، والمؤسسات التي ورثت المنهج كابرًا عن كابر.
وعن أهمية تكوين مراكز بحثية للرصد والتحليل أضاف فضيلته: بعد تكوين تنظيم داعش أنشأنا مرصد الفتاوى التكفيرية، وصدر عن وحدة التحليل التي تلي مرحلة الرصد تقارير في سبيل التعايش والعلاقات الإنسانية. فهناك ٥٥٠٠ سؤال طرحت في هذا المجال، وفي مرحلة التحليل وجدنا ما نسبته ٧٠% منها تحرم التعامل، ونسبة ١٠% تبيح التعامل. ولا شك أن في هذا مخالفة لما فعله رسول الله في هديه مع نصارى نجران ومع اليهود في المدينة وكتابته وثيقة المدينة، مضيفًا: لقد استدعى المتطرفون فتاوى من واقع مختلف وأزمنة مغايرة.
وتابع فضيلته أن من المفاهيم التي بثتها تلك الجماعات: مفهوم غياب الشريعة، والحكم بما أنزل الله تعالى، وتكفير الحكام والشعوب التي تتحاكم إلى القوانين الحديثة التي وصموها بأنها وضعية في مقابل الشرعية. وأكد فضيلته خطأ هذا التصور؛ لأن الدستور الذي بُني عليه القانون ينص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين، فليس عندنا قوانين مخالفة للشريعة، ولسنا ممن لم يحكم بما أنزل الله. وأكد أن حق العقاب من حقوق الدولة، كما أقر ذلك العلماء منذ القديم.
واختتم فضيلة المفتي محاضرته قائلًا: أقدر هذا البرنامج الذي يتبنى قضية المسار، وأدعو إلى تصحيح المسار الذي هو مبدأ أصيل من المبادئ الإسلامية.