الموت دليل راسخ على وجود خالق الكون.. د.ريكان إبراهيم محاورا الملحدين

  • د. شيماء عمارة
  • الخميس 17 يونيو 2021, 09:42 صباحا
  • 618
العودة إلى الإيمان

العودة إلى الإيمان

في دراسة نفسية دينية للدكتور ريكان إبراهيم، أستاذ علم النفس الديني، يقول إن من الأسباب التي تساعد الملحد على التخلص من إلحاده والعودة إلى الله عز وجل، أمور تتعلق بالإيمان نفسه.

وشرح إبراهيم هذا، فيما أسماه بـ "عوامل في الإيمان"، حيث أنه وفي عملية الإيمان نفسهِ تكمن أسباب كثيرة تُحرض المُلحد على المغادرة بإتجاه الإيمان، وفند هذه العوامل كالآتي:

أ‌- صِدق الصورة الكُلية: لنأخذ مثلاً على التعريف بالإيمان مما ورد في القرآن: " الإيمان هو إتخاذ الله واحداً لا شريك له والإيمان بأديانه وأنبيائه وما أُنزل عليهم والإيمان بالغيب واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرُه وشره".

هذا هو البناء الكلي والصورة الشاملة التي لا تقبل التجزئة لمفرداتها من الإيمان، فالإيمان بالله على أنه الذي خلقنا وكفى يُعد إيماناً ناقصاً وإن كان أساساً أولياً في عملية الإيمان.

معنى هذا التعريف يشمل الأساس العقلي للتصديق بوجود الله مضافاً إليه الجانب القيمي الأخلاقي في الضابط لهذا الوجود.

ودلل إبراهيم على ما قال بضرب مثل من واقع الحياة اليومية، هل يجوز لنا أن نُصدقَ بطبيب من الأطباء ونأتمنه على تشخيص مرضٍ ما ثم لا نُصدق بالدواء الذي يصفه وبالوصية التي يذكرها، إستكمالاً للعلاج؟ منطقياً يُعتبر هذا غير صحيح ومثل هذا ما ينطبق على صِدق الصورة الكلية للإيمان.

إن المُلحد شخص تجزيئي أي أنه يُجزىء المعرفة على مفاصل فلا تخدمُه في شيء ومثل ذلك ما فعله حكماء الإغريق القُدامى يوم جزأوا الآلهة على واجباتٍ منفصلة حيث وزعوا ظاهرات الكون على آلهةٍ كثيرة. إن البريق المعرفي في ظاهرة الصورة الكلية للإيمان كانت عاملاً مهماً لدعوة الملحدين إلى مراجعة إلحادهم.

ب‌- السبيية العلمية: إن عملية الإيمان عملية علمية تستند إلى الإثبات، ولا تقوم حقيقةٌ في الكون بدون سندٍ علمي.

وأدرج إبراهيم في مقاله عدة أسئلة يطرحها على الملحدين، ألا يستطيع الله الخالق أن يستخدم قدراته الممثلة بقوله: "كُن فيكون" في خلق السماوات والأرض من دون أن يلجأ إلى خلقها في ستة أيام؟ ألا يستطيع الله الخالق أن يُقيم القيامة بلحظةٍ واحدة من دون أن يسبقها بمُمهدات كالشمس إذا كُورت والبحار إذا سُجرت والعشار  إذا عُطلت؟

ألا يستطيع الله الخالق أن يخلق الكائنات من أُحادية مفردة من دون الثنائية التي تقوم على القبح والجمال والأسود والأبيض والذكر والأنثى؟ ألا يستطيع الخالق أن يسترد النفخة التي نفخها من روحه في الطين المفخور كالصلصال من دون أن يُوكل قبضالأرواح إلى ملاك الموت؟

ألا يستطيع الخالق أن يجعل العقل البشري قادراً على إدراك وجوده من دون أن يُنزل كتابا  أو يبعث نبياً؟ بلى أنه لقادر ولكن مبدأ السببية التي تقوم بقانون ضابط هو المبدأ الذي أقره الله ناموساً للكينونة.

وبمثل هذا التوصيل نستطيع القول أن الله هو الذي جعل البحث العلمي في المختبرات سبيلاً إلى معرفة خفايا النفس البشرية. لقد آمن الإنسان القديم بآلههِ (على صورةٍ من الصور) وهو لا يرى إلا سلوكه غير المشروح في أسبابه، فكيف يلحد الإنسان المعاصر بعد أن عرف أن هذا السلوك هو ناتج لعمليات فسلجية تتداخل فيها مكونات جسمه من الهومون والموصل العصبي والكهربائية الساكنة والكيمياء؟ هذا هو ما حدا بالكثير من الملحدين إلى التراجع عن الإلحاد.

ج - الحكمة من إختفاء الله: لقد اصطفى الله لنفسه صفتين لم يمنحهما لغيره، وهما الخلود والإختفاء عن الإدراك المباشر. وكثيراً ما شكك المُلحدون بالله ووجوده لأنهم لم يروه عياناً. إن لإختفاء الله عن الإدراك حكمةً لا يعلم سرها غيره لكننا نستطيع أن نتفحص بعضها بما يُدلل على عظمة حكمته.

وذكر إبراهيم عن أحد علماء الإجتماع كان قد نشر دراسةً عن العلاقات بين الأفراد في المؤسسة الإجتماعية، فطالب بضرورة قيام ما سماه بـ " المسافة الإجتماعية" التي تفصل بين المدير العام وباقي المنتسبين، وعدَ هذا الباحث مثل هذه المسافة ضروريةً لقيام عنصر الهيبة والوقار بين المسؤول وأتباعه.

وتابع، تصور لو أن الناس تطلع على خالقها وتعرف مكانه وأشياء أخرى، فإن هؤلاء سيتحولون إلى حالة أخرى من الوعي بالخالق، إن دراسة هذا الباحث أثبتت مصداقيتها على مستوى بشرٍ عاديين فكيف الأمر أمام الخالق العظيم؟

إن مجهولية مصدر الخبر تزيد من سرعة إنتشاره وثبوت تصديقه فكيف الأمر مع الخالق العظيم؟ إن العرب في لغتهم أنشأوا ظاهرة "نائب الفاعل" وعزوا كثيراً  من الحكم والموعظة في أقوال الشعر والنثر إلى قائل مجهول فزادوا شدة تعلق الناس بهذه الحكم والموعظة.

كم من الناس من يستطيع مقابلة حاكمٍ من حكامهم بسهولةٍ في المكان والزمان؟ إذا كان هذا هو ما يحدث مع حاكمٍ بشري فكيف يكون الأمر مع حاكم الحكام، ملك الملوك؟.

د - فلسفة الموت: إختار الله لذاته الخلود، فكلُ مَن عليها فان.ولو خَلَدَ الإنسان لحدث الآتي:

1 - تزدحم الأرض بمن عليها وتضيق موارد العيش.

2 - تزداد الجريمة التي ترتبط طرداً بكثرة البشر.

3 - تقِلُ الموارد وتشيع المجاعة

4 - تفقدالحياة قيمتها لأنه لا يوجد موتٌ يُهددها بالزوال

5 - يشارك المخلوق خالقه في صفةٍ متفردة.

6 - تشيع الأمراض النفسية، فكثيرٌ من الأمراض التي لدينا تظهر في آخر العمر حيث أفردَ  لها قاموس الطب النفسي مُسمى " أمراض آخر العمر" وسبب ذلك أن الشعور بالخلود يُولد الرتابة والرتابة سبب من أسباب الكآبة.

7 - تنتفي الحاجة إلى العالم الآخر حين يخلد الإنسان وتُصبح الأرض مكاناً لعقابه وثوابه.

هذه هي الحكمة من الموت. وظاهرة الموت جزءٌ من متطلبات الإيمان التي أشرنا إليها مثلما أشار القرآن، وهي، مرةً أُخرى، صورة من صور النهاية التي جعلت وتجعل الكثيرين من المُلحدين يراجعون أنفسهم في مسألة إلحادهم بحكيمٍ عظيمٍ هو الله.

تعليقات