لماذا يلحد الشباب؟

  • أحمد حماد
  • الإثنين 31 مايو 2021, 9:03 مساءً
  • 1344

قال محمد الماحى، باحث وكاتب، إن ظاهرة إلحاد الشباب تتنامى فى عالمنا العربى، مؤكدًا أن أكثر الدوافع التي تقودهم إلى التمرد على "السلطة الدِّينية الراسخة" متصلة بمزاج الجيل الحديث.

وأضاف في مقال نشرته صحيفى "بلقيس"، أن من يتتبع النماذج الشبابية المتمرّدة على الدِّين في مجتمعنا، يجد أن القطاع الأعظم من هؤلاء الشباب لا ينطلقون في مواقفهم الإلحادية من دوافع معرفية عميقة أو مشاكل نظريّة دقيقة تتعلق بقضايا الوجود والعدم، وأسئلة الحياة الكبرى، كما أنهم لا يكادون يتخيلون التحديات الأخلاقية التي تتطلبها فكرة الإلحاد كتصوّر بديل للكيفية التي يجب أن تسير عليها حياة البشر.

وأكد الماحي، أن الشباب العربي وإن كانت مواقفهم المعبّر عنها تتخذ طابعا معرفيا وتساؤلات شكوكية حول قضايا متصلة بالدِّين؛ لكنها في غالبيتها تظل مواقف هامشية وشكوكيات متناثرة لا تعكس امتلاكهم خلفية معرفية صلبة وتراكما فكريا ممنهجا بخصوص قضايا الوجود والحياة، أي أنها في الأغلب اعتراضات جزئية، تخفي وراءها دوافع أخرى وتتخذ من الشكوكيات الدِّينية غطاء لغاية أخرى، هي "نشدان الحُرية".

وأرجع الماحي، إلحاد الشباب، إلى التربية الخاطئة من الآباء لأطفالهم، وخصوصا من يقمعون أبنائهم، ويصادرون حريتهم، ويلغون شخصيتهم، مما يدفعهم في النهاية للتمرد على كل شيء، مؤكدًا أنه ورغم كل هذا فهم يؤمنون بالله، ولم يكفروا به.

 

 

وشدد على أن الشباب لا يلحدون، لأن لديهم مشكلة مع فكرة الله، أو لأن لديهم تصورا بديلا للحياة، متابعًا: "هو لا يكفر بالله بالمعنى الحرفي للكفر؛ بل يتمرّد على مجتمع لا يعترف به، مجتمع يرغب بتطويع الشباب قسرا ولا يفقه نفسية الجيل الحديث وطبيعة الحياة التي يرغب أن يعيشها".

ولفت إلى أن الرغبة في التخلّص من القيود المجتمعية، والإعلان الصريح أن طابع الحياة القديم لم يعد يتلاءم مع طموحات الشباب ونفسياتهم وطبيعة تفكيرهم المتجددة، هو الدافع الأساسي خلف انتشار الإلحاد.

وتسائل الماحي: ما علاقة الدِّين ؟ وهل الدِّين عنصرا كابحا للحرية ومعيقا للاستقلالية ونمط الحياة الحديثة؟.. متابعًا: بالطبع لا؛ غير أن هؤلاء الشباب لم يعرفوا من الدِّين سوى تلك الأسواط المرفوعة في وجوههم، سوط المجتمع الرافض لأي تنازل في مواقفه أو تفاوض أخلاقي مع هؤلاء الشباب الضجرين، والنفوس الغاضبة من واقعهم المشبع بالكوابح والخطوط الحمراء في كل شبر من حياتهم.

وأكمل: لا يلحد الشاب دفعة واحدة، فغالبا ما تنشأ بذور التمرّد انطلاقا من جزئية بسيطة، كشعور الشاب أنه مرغم على تأدية الشعائر التعبدية دون قناعة منه أو تعرّضه للإدانة بسبب علاقة عاطفية، أو إحساس المرأة بالظلم نتاج اضطرارها للتقيّد بلباس معين، وهكذا، بدلا من أن يجد هؤلاء في الدِّين فسحة لممارسة هذه الأمور الهامشية دون تعرّضهم للتعنيف والنبذ، يحدث لهم عكس ذلك، إذ ينبرئ المجتمع لجلدهم وحصارهم وتضييق الحياة لديهم، فيتحول الأمر لنزوع تمرّد شامل، يحطم فيه الشاب كل القيود الكبيرة والصغيرة؛ بحثا عن حياة حُرة، يقرر فيها مصيره وسلوكه الشخصي، بعيدا عن أي التزام ديني ومجتمعي، وبهذا يكون الدِّين -كمنظومة شاملة- عاجزا عن احتواء أو إقناع هؤلاء الشباب بمواصلة الانتماء إليه، وقد فقدوا أي إحساس مشترك بتقاربهم معه.

 

وقال الماحي في ختام مقاله: لدينا جيل حديث انفتح وعيه على الحياة، وبين يديه منافذ عديدة للأفكار، ليست جميعها منافذ يتحكّم بها الدِّين، بالمقابل لدينا جيل سابق نشأ داخل تصور أحادي للحياة، نابع -أساسا- من الدِّين، وهو ما أنشأ فجوة بين الجيلين، في نظرتهم للحياة.

جيل ذو نزوع فرداني للعيش بشكل مستقل، وجيل يقاتل ليواصل تذويب أبنائه بالإطار نفسه الذي نشأ هو به، جيل أقلّ إحساسا بعالم الغيب وأكثر انتماءً للعالم الواقعي / المادي، وجيل أكثر روحانية ويزعجه رؤية أبنائه أقلّ التزاما بطقوس الدِّين.

وهكذا مع تزايد المسافة بين الجيلين، ذهنيا ونفسيا، تعقّدت إمكانية التفاهم، وصارت العلاقة متوترة، وكنتيجة طبيعية لهذا التوتر نشأت ظواهر عديدة، لعلّ أهمها ظاهرة "الإلحاد" الجديد، أو "موضة الإلحاد".

 

تعليقات