حرام شرعاً.. الإفتاء تجيب على مشروعية تداول عملة الـ "بيتكوين"

  • د. شيماء عمارة
  • السبت 29 مايو 2021, 12:03 مساءً
  • 1019
بيتكوين

بيتكوين

في ظل ظروف جائحة كورونا اتجه العديد من الناس إلى التجارة في مجال العملات المشفرة وبخاصة "بيتكوين"، مما دفع البعض للتساؤل حول مشروعيتها وإذا كانت التجارة فيها حلال أم حرام، وقامت دار الافتاء المصرية بالرد في هذا الأمر.

وجاء بيان الافتاء كالتالي:

وأجابت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، بأن تداول عملات البتكوين والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجارة وغيرها حرام شرعًا؛ لما لها من آثار سلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة.

وأكدت الدار، أن التعامل بـ«البتكوين» له سلبيات في بعض الاختصاصات، فهناك ضرر ناشئ عن الغرر والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقيمتها، وذلك يدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من غشنا فليس منا». فضلا عما تؤدي إليه ممارستها من مخاطر عالية على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرر أنه «لا ضرر ولا ضرار».

وأوضحت الدار أن عملية البتكوين لم تتوافر بها الشروط والضوابط اللازمة في اعتبار العملة وتداولها، وإن كانت مقصودة للربح أو الاستعمال والتداول في بعض الأحيان، إلا أنها مجهولة غير مرئية أو معلومة، مع اشتمالها على معاني الغش الخفي والجهالة في معيارها ومصرفها، مما يفضي إلى وقوع التلبيس والتغرير في حقيقتها بين المتعاملين.

وبعد استعانة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية بالخبراء وأهل الاختصاص من علماء الاقتصاد؛ توصلت للآتي:

1- أنَّ عُمْلَةَ البتكوين تحتاجُ إلى دراسةٍ عميقةٍ؛ لتشعُّبها وفنيَّاتِها الدقيقة؛ كشأن صور العملات الإلكترونية المتاحة في سوق الصرف، إضافةً إلى الحاجة الشديدة لضبط شروط هذه المعاملة والتكييف الصَّحيح لها.

2- أنَّ من أهم سمات سوقِ صرفِ هذه العملات الإلكترونية التي تمُيِّزُها عن غيرها من الأسواق الماليَّة أنها أكثرُ هذه الأسواق مخاطرةً على الإطلاق؛ حيث ترتفع نسبةُ المخاطرة في المعاملات التي تجري فيها ارتفاعًا يصعب معه -إن لم يكن مستحيلًا- التنبؤُ بأسعارها وقيمتها؛ حيث إنها متروكةٌ إلى عوامِلَ غيرِ منضبطةٍ ولا مستقِرَّة، كأذواق المستهلكين وأمزجتهم، مما يجعلها سريعةَ التَّقلُّب وشديدةَ الغموضِ ارتفاعًا وهبوطًا.

وهذه التَّقلُّبَاتِ والتَّذَبْذُبَاتِ غير المتوقَّعة في أسعار هذه العملات الإلكترونية تجعلُ هناك سمةً لها هي قرينةُ السِّمَة السَّابقة؛ فعلى الرَّغم من كون هذه السوق هي أكبرَ الأسواقِ الماليَّة مخاطَرَةً، فهي أيضًا أعلاها في معدَّلاتِ الرِّبْحِ، وهذه السِّمَةِ هي التي يستعمِلُها السَّماسرة ووكلاؤهم في جذْب المتعاملين والمستثمرين؛ لاستخدام هذه العملات، مما يؤدي إلى إضعافِ قدرَةِ الدُّول على الحفاظ على عُمْلتِها المحليَّة والسَّيطرة على حركة تداول النَّقد واستقرارها وصلاحيَّتِها في إِحْكَامِ الرِّقابَة، فضلًا عن التأثير سلبًا بشكلٍ كبيرٍ على السِّياسَة الماليَّة بالدول، وحجمِ الإيرادات الضريبية المتوقَّعةِ، مع فتح المجال أمام التهرُّب الضَّريبي.

3- أنَّ التَّعامل بهذه العملة بالبيع أو الشِّراء وحيازتِها يحتاجُ إلى تشفيرٍ عالي الحماية، مع ضرورة عمل نسخٍ احتياطيَّة منها من أجل صيانتها من عمليات القَرصنة والهجمات الإلكترونية لفَكِّ التَّشفير، وحرزِها من الضَّياعِ، والتعرُّض لممارسات السَّرقة، أو إتلافِها من خلال إصابَتِها بالفيروسات الخطيرة، مما يجعلُها غيرَ متاحةِ التداول بين عامَّة النَّاس بسهولةٍ ويُسْرٍ؛ كما هو الشأن في العملات المعتبرة التي يُشترط لها الرَّواج بين العامَّة والخاصَّة.

4- أنَّه لا يُوصَى بها كاستثمارٍ آمنٍ؛ لكونها من نوع الاستثمار عالي المَخاطِر؛ حيثُ يُتعامَلُ فيها على أساس المضاربة التي تهدُف لتحقيق أرباحٍ غير عاديَّة من خلال تداولها بيعًا أو شراءً، مما يجعل بيئتِها تشهدُ تذبذُبات قويَّة غير مبررَّةٍ ارتفاعًا وانخفاضًا، فضلًا عن كون المواقع التي تمثل سِجلات قيد أو دفاتر حسابات لحركة التعامل بهذه العملة بالبيع أو الشراء غير آمنة بَعْدُ؛ لتكرار سقوطِها من قِبَلِ عمليَّات الاختراق وهجمات القرصنة التي تستغل وجود نقاطِ ضعفٍ عديدة في عمليَّات تداولها أو في محافظها الرقمية، مما تسبب في خسائر ماليَّة كبيرة.

5- أنَّ مسؤوليَّة الخطأ يتحملها الشخص نفسه تجاه الآخرين، وربما تؤدِّي إلى خسارة رأس المال بالكامل، بل لا يمكن استرداد شيءٍ من المبالغ المفقودة جرَّاء ذلك غالبًا، بخلاف الأعراف والتقاليد البنكية المتَّبعة في حماية المتعامل بوسائلِ الدفع الإلكتروني التي تجعل البنوك -عند الخلاف مع المستثمر- حريصةً على حلِّ هذا النزاع بصورة تحافظ على سمعتها البنكيَّة.

6- أنَّ لها أثرًا سلبيًّا كبيرًا على الحماية القانونية للمتعاملين بها من تجاوزِ السَّماسِرة أو تعدِّيهم أو تقصيرِهم في ممارسات الإفصاح عن تفاصيلِ تلك العمليَّات ولا القائمين بها، وتسهيل بيع الممنوعات وغسل الأموال عبر هؤلاء الوسطاء؛ فأغلب الشركات التي تمارس نشاط تداول العملات الإلكترونية تعملُ تحت غطاء أنشطة أخرى؛ لأن هذه المعاملةَ غيرُ مسموحٍ بها في كثير من الدول؛ ولذا لا يمكنُ اعتبارُ هذه العملة الافتراضية وسيطًا يصحُّ الاعتمادُ عليه في معاملات الناس وأمور معايشهم؛ لفقدانها الشروطَ المعتبرةَ في النقود والعملات؛ حيث أصابها الخللُ الذي يمنع اعتبارها سلعةً أو عملةً؛ كعدم رواجها رواجَ النقود، وعدمِ صلاحيتها للاعتماد عليها؛ كجنسٍ من أجناس الأثمان الغالبة التي تُتخَذُ في عملية "التقييس" بالمعنى الاقتصادي المعتبر في ضبط المعاملات والبيوع المختلفة والمدفوعات الآجلة من الديون، وتحديد قِيَمِ السِّلع وحساب القوَّةِ الشِّرائية بِيُسرٍ وسهولةٍ، وعدم إمكانية كَنْزها للثروة واختزانها للطوارئ المحتملة مع عدم طَرَيَانِ التغيير والتَّلف عليها؛ فضلًا عن تحقُّق الصوريَّة فيها بافتراض قيمة اسميَّة لا وجود حقيقي لها، مع اختلالها وكونها من أكثرِ الأسواق مخاطرة على الإطلاق.

وشبهت الدار عملية «البتكوين» بالنقود المغشوشة ونفاية بيت المال، وبيع تراب الصاغة وتراب المعدن، وغير ذلك من المسائل التي قرر الفقهاء حرمة إصدارها وتداولها والإبقاء عليها وكنزها؛ لعدم شيوع معرفتها قدرا ومعيارا ومصرفا؛ ولما تشتمل عليه من الجهالة والغش، وذلك يدخل في عموم ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من غشنا فليس منا».

تعليقات