ملتقى الفكر الإسلامي: العفو والصفح من شيم النبي.. ولا يتصف به إلا النبلاء

باحث: 70 دراسة تؤكد أهمية الدين في رفع المستوى النفسي للإنسان

السبت 04 مايو 2024

أحمد حماد

الثلاثاء 20 أبريل 2021, 7:30 مساءً

1294

ملتقى الفكر الإسلامي

أكد المشاركون في ملتقى الفكر الإسلامي أن العفو والصفح من شيم النبي (صلى الله علي وسلم) ومن مكارم الأخلاق السامية، ولا يتصف به إلا النبلاء والأقوياء .

جاء ذلك في الحلقة السابعة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، وجاءت بعنوان: "العفو"، وحاضر فيها كل من: الشيخ عبد الخالق صلاح عبد الحفيظ إمام وخطيب بمديرية أوقاف القاهرة ، والشيخ إسلام النواوي عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بالوزارة.

وفي كلمته أكد الشيخ عبد الخالق صلاح أن العفو من مكارم الأخلاق السامية، ولا يتصف به إلا النبلاء والأقوياء ، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يدعو الله (عز وجل) قائلا : "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي" ، ورب العزة سبحانه وتعالى هو العفو ، حيث يقول في الحديث القدسي : (يا ابنَ آدمَ ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكْ بِيْ شَيْئًَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً) ، وأمرنا (جل وعلا) بالعفو فقال : "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وقال أيضًا : "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" ، ولما نزل قول الله تعالى : "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" ، وقالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "ما هَذا يا جِبْرِيلُ ؟: قالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ العالِمَ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ أمَرَكَ أنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وتُعْطِيَ مَن حَرَمَكَ، وتَصِلَ مَن قَطَعَكَ" .

وأكد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضرب لنا مثلًا تطبيقيًا في العفو ، ففي يوم فتح مكة عفا عن أهلها ، وهم الذين آذوه وأخرجوه فقابل الإساءة بالإحسان وقال َ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وفي يوم الطائف يعفو ويصفح ويتضرع إلى الله قائلًا : "اللهُمَّ إليكَ أشكو ضعفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ، أرحمُ الراحمينَ أنتَ ؛ ارحمْني، إلى منْ تكلُني ؟ إلى عدوٍ يتجَهَّمُني، أمْ إلى قريبٍ ملَّكتَهُ أمري ؟ إن لمْ يكن بك غضب عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هي أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ لهُ الظُّلُماتُ وصلُحَ عليهِ أمرُ الدنيا والآخرةِ أن تُنزلَ بيَ غضبَكَ أو تُحلَّ عليَّ سخطَكَ، لكَ العُتْبى حتى تَرضَى ولا حولَ ولا قوةَ إلا بكِ".

وأوضح صلاح ، أن العفو له مجالات كثيرة منها : العفو بين الزوج وزوجته حتى تستقيم الحياة حتى في مرحلة الفراق والطلاق أمر بالعفو قال تعالى: "وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".

وفي كلمته أوضح الشيخ إسلام النواوي، أن شهر رمضان هو شهر العفو فقد سألت السيدة عائشة (رضي الله عنها) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قالت : "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟"، قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" ، مشيرًا إلى أن العفو سبب في دخول الجنة يوم القيامة ففي الحديث : "بَيْنا رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ )جالسٌ، إذ رأَيناهُ ضحِكَ حتَّى بدَتْ ثَناياهُ، فقال له عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: ما أضْحَكَك يا رسولَ اللهِ بأبي أنت وأُمِّي؟ فقال: رجُلانِ جَثَيَا مِن أُمَّتي بين يدَيْ ربِّ العزَّةِ تبارَكَ وتعالى، فقال أحدُهما: يا ربِّ، خُذْ لي مَظْلَمتي مِن أخي، قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أعْطِ أخاك مَظْلَمتَه، قال: يا ربِّ، لم يَبْقَ لي مِن حَسناتِه شَيءٌ، قال اللهُ تبارَكَ وتعالى للطَّالبِ: كيف تصنَعُ بأخيك ولم يَبْقَ مِن حَسناتِه شَيءٌ؟ قال: يا ربِّ، فلْيحمِلْ عنِّي مِن أوْزارِي. قال: وفاضَتْ عَيْنا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالبُكاءِ، ثمَّ قال: إنَّ ذلك لَيومٌ عظيمٌ؛ يومٌ يَحتاجُ النَّاسُ فيه إلى أنْ يُحْمَلَ عنهم أوزارُهم. فقال اللهُ تعالى للطَّالبِ: ارفَعْ بصَرَك، فانظُرْ في الجِنانِ، فرفَعَ رأْسَه، فقال: يا رَبِّ، أرى مدائنَ مِن فِضَّةٍ وقُصورًا مِن ذَهبٍ، مُكلَّلةً باللُّؤلؤِ، فيقولُ: لأيِّ نَبِيٍّ هذا؟! لأيِّ صِدِّيقٍ هذا؟! لأيِّ شَهيدٍ هذا؟! قال: هذا لمَن أعْطى الثَّمنَ، قال: يا ربِّ، ومَن يَملِكُ ذلك؟ قال: أنت تَملِكُه، قال: بماذا يا ربِّ؟ قال: تَعْفو عن أخيكَ، قال: يا ربِّ إنِّي قد عَفَوتُ عنه، قال اللهُ تعالى: خُذْ بيَدِ أخيكَ، فأدخِلْه الجنَّةَ. ثمَّ قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند ذلك: فاتَّقُوا اللهَ وأصْلِحوا ذاتَ بينِكم؛ فإنَّ اللهَ يُصلِحُ بين المُؤمنينَ يومَ القيامةِ".

وأوضح النواوي، أن عفو رسول الله لم يكن عفوًا مصطنعًا وإنما كان عفوًا حقيقيا لأنه تحمل ألوانًا كثيرة من الأذى ، مبينًا أيضًا أن من موجبات العفو الاستجابة لأمر الله ، فلما نزل قول الله تعالي: "للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ، شقت على أصحاب النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) فجاءوا إلى النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) وسألوه، فأنزل الله بعدها: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ، ومن موجبات العفو أيضًا عدم المجاهرة بالذنب قال رسول الله (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) : "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه" ، ومن موجبات العفو أن تعفو وتخفف عن الناس قال (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) : "تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فقالوا: أعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شيئًا؟ قالَ: لا، قالوا: تَذَكَّرْ، قالَ: كُنْتُ أُدايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيانِي أنْ يُنْظِرُوا المُعْسِرَ، ويَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ، قالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: تَجَوَّزُوا عنْه" فالعفو هو خلق الكرماء والله تعالى أكرم الأكرمين.