خطاب معوض خطاب يكتب: الساقطة.. الحلقة الأولى

  • جداريات 2
  • الخميس 06 أغسطس 2020, 3:12 مساءً
  • 3409

قبل أن تقرأ:

الحلقات التي ننشرها تباعا على حلقات بدءا من الغد تؤكد أن الإسرائيلي "رافي بن ديفيد" هو نفسه عادل شاهين ابن الجاسوسة المصرية "إنشراح على مرسي" وزوجها الفلسطيني الأصل إبراهيم شاهين، الذين تم تجسيد قصتهما على الشاشة الصغيرة في المسلسل الشهير "السقوط في بئر سبع".

وبالمناسبة أوضح أن عددا كبيرا من المصادر يذكر أن هذه الجاسوسة اسمها "إنشراح علي موسى"، ولكن الفيديو الشهير لها مع الفنان سمير صبري في برنامج الناس الدولي يوضح أن ما تذكره هذه المصادر خطأ، حيث خاطبها الفنان سمير صبري مرتين باسم "إنشراح علي مرسي"، كما أن ابنها عادل شاهين أو "رافي بن ديفيد" قد ظهر في عدد كبير من الفيديوهات على اليوتيوب يذكر فيها أنه ابن الجاسوسة المصرية "إنشراح علي مرسي".

ومن المعروف أن هذه الجاسوسة وأبناءها الثلاثة قد هربوا إلي إسرائيل، وذلك بعد الإفراج عنهم في سبعينيات القرن العشرين في صفقة تبادل أسرى.

وفي إسرائيل قامت الأم "إنشراح علي مرسي" بتغيير اسمها إلي "دينا حليم" ثم إلى "دينا بن ديفيد"، وهذا بعدما تركت الإسلام وتحولت إلى الديانة اليهودية رسميا، وهو ما حدث أيضا مع أبنائها الثلاثة، الذين غيروا أسماءهم أيضا، فعادل شاهين تحول اسمه إلى "رافاييل بن ديفيد" أو "رافي بن ديفيد"، ومحمد شاهين تحول اسمه إلى "حاييم بن ديفيد"، ونبيل شاهين تحول اسمه إلي "يوسي بن ديفيد".

والعجيب أن "رافي بن ديفيد" هذا له قناة شهيرة على اليوتيوب تحمل اسمه ويلقب نفسه باسم:

"Son of an Egyptian Spy" الذي يعني: "ابن الجاسوسة المصرية"، وكأن "رافي بن ديفيد" هذا يفتخر بما فعلته والدته التي خانت وطنها وتركت دينها، والأعجب أنه في فيديوهاته التي يبثها على قناته على اليوتيوب، يحاول أن يتقرب إلى المصريين ويقدم لهم نفسه على أنه مجرد ضحية وداعية سلام.



والآن نبدأ مع الحلقة الأولى من حلقات "الساقطة".

يدعي ويزعم اليهود دوما أنهم هم شعب الله المختار، ويؤمنون بأن جميع شعوب الأرض دونهم ولا يساوونهم، فهم يظنون أنهم فوق البشر جميعا، نعم هذه هي قناعاتهم وهذه هي عقيدتهم وهذا هو إيمانهم، ومنذ ظهور اليهود في العصر الحديث في الأراضي العربية، وهم لا يتوانون لحظة عن ممارسة عقيدتهم التي طرحناها، والتي يؤمنون أنها نابعة من كتابهم المقدس، ولذلك فهم يحاولون وبكل السبل والوسائل والأسلحة المتاحة أمامهم، أن يركبوا ظهور العرب ويمتصوا دماءهم ويحرقوا أخضرهم ويلوثوا طاهرهم ويهدموا عامرهم.

وتعد الجاسوسية واحدة من أقذر الوسائل والأسلحة التي استخدمها ويستخدمها اليهود في إسرائيل لتنفيذ مخططاتهم حسب عقيدتهم وإيمانهم، ولذلك فقد شرعوا في تجنيد جواسيس لهم من مختلف الدول العربية، واستخدموهم للعمل لحسابهم حتى يخترقونا من الداخل، وفي نفس الوقت كانت أجهزة المخابرات لدينا تستخدم نفس الأسلوب وتجند وتزرع الجواسيس داخل هذا الكيان المعادي.

وخلال الصراع العربي الإسرائيلي الذي استمر عبر عشرات السنين، تم استخدام العديد من الجواسيس من كلا الجانبين، والمعروف أن من أشهر الجواسيس الذين استخدمهم جهاز المخابرات المصرية، وزرعهم داخل الكيان الصهيوني كان العميل الشهير رفعت الجمال الشهير باسم "رأفت الهجان"، والذي ادعت إسرائيل بعد ذلك أنه كان عميلا مزدوجا.

وكذلك نجد العميل عمرو طلبة، والذي تم تجسيد شخصيته من خلال المسلسل التليفزيوني الشهير "العميل 1001"، وكذلك هناك العميل الشهير أحمد الهوان والشهير باسم "جمعة الشوان"، والذي جندته المخابرات الإسرائيلية ولكن سارعت المخابرات المصرية بالتعامل معه، وجعلته وقتها عميلا مزدوجا، وضللت به المخابرات الإسرائيلية، وعن طريقه حصلت مصر على جهاز من أحدث أجهزة التجسس العالمية.

وعلى الجانب الآخر استخدم جهاز الموساد الإسرائيلي عددا كبيرا من الجواسيس العرب وقام بتجنيدهم لحسابه، ولعلنا نذكر الجاسوسة الشهيرة "هبة سليم" والتي تم تجسيد شخصيتها في فيلم "الصعود إلى الهاوية"، كما قام الموساد بتجنيد رجل فلسطيني مصري الجنسية كان يدعى "إبراهيم شاهين"، والذي عمل جاسوسا لإسرائيل، وسارع بتجنيد زوجته المصرية "إنشراح علي مرسي" لعالم معه، والغريب أن هذه الزوجة التي سقطت في مستنقع الجاسوسية جندت أولادها الثلاثة للعمل كجواسيس معها ومع زوجها الفلسطيني الأصل.

وتبدأ قصة "إنشراح علي مرسي" ورحلة سقوطها في مستنقع الجاسوسية سنة 1951، وذلك بعدما حصلت على شهادة الاعدادية، وأراد والدها أن يكافأها على نجاحها فاصطحبها معه لحضور حفل زفاف أحد أقاربه في القاهرة، وكانت هذه المرة هي الأولى التي تغادر فيها "إنشراح علي مرسي" قريتها بالمنيا في صعيد مصر.

وفي حفل الزفاف نجحت هذه الصبية والتي لم تكمل عامها الخامس عشر رغم بساطتها ورقة حال أسرتها في لفت انتباه جميع الحاضرين، بسبب جمالها الملحوظ وجسدها الذي بدت عليه معالم الأنوثة الطاغية رغم صغر سنها، حيث بدت لمن يراها أكبر من سنها كثيرا.

ويومها التقت "إنشراح علي مرسي" فتاها الذي حرك فيها مشاعر الأنثى الكامنة، إنه "إبراهيم سعيد شاهين" الفلسطيني الأصل المصري الجنسية والمقيم بمدينة العريش، والذي لم يغادر الحفل يومها إلا وقد عرف عنها كل شيء، وبعد مرور أيام معدودة اصطحب ابراهيم أهله معه، وسافر إلى بلدة إنشراح لخطبتها والزواج منها، وهو ما تم بالفعل رغم اعتراض والدتها على الزواج في البداية بحجة بعد المسافة بين المنيا والعريش.

وهكذا تزوجت إنشراح تلك الصبية الصغيرة، والتي لم تكمل الخامسة عشرة من عمرها، وتركت بلدتها الصغيرة وانتقلت للإقامة مع زوجها إبراهيم الذي كان يعمل كاتبا للحسابات بمكتب مديرية العمل في العريش، وبسبب بعد المسافة بين المنيا والعريش فقد كادت صلتها بأهلها تنقطع، وأصبح زوجها في نظرها هو كل ما لها في الدنيا، ولأنه كان أول رجل تفتحت عليه عيناها فقد بثته كل عواطفها، ونذرت نفسها لإسعاده وخدمته والسعي لراحته.

ولأن الزوجين كانا قد اكتفيا من التعليم بالحصول على الشهادة الإعدادية فقط، فقد تعاهدا إن رزقهما الله بأبناء أن يعملا جاهدين ليواصل أبناؤهما تعليمهم حتى يحصلوا على أعلى الشهادات التعليمية، وأصبح هذا الهدف هو هدفهما الوحيد في الحياة يسعيان ويعملان على تحقيقه مهما كانت الظروف والمعوقات التي تواجههما.

وتمر الأيام والشهور والسنوات بالزوجين السعيدين، "إبراهيم وإنشراح" وتزداد فرحتهما بقدوم ولدهما الأول نبيل في سنة 1955، وقدوم ولدهما الثاني محمد في سنة 1956، ثم قدوم ولدهما الثالث عادل في سنة 1958، وتعاهد الزوجان على أن يرسلا أبناءهما للدراسة في القاهرة، حيث الحال هناك أفضل من العريش من كل الجوانب، وبالفعل في سنة 1963 أرسل ابراهيم وانشراح أولادهما إلى عمهم المقيم بالقاهرة، ليدرسوا هناك بعيدا عن مظاهر البداوة وظروف الحياة الأقل حظا في العريش.

وسعى إبراهيم بكل الطرق لتوفير الأموال التي تحتاجها أسرته، حيث كان ملزما بالإنفاق على تعليم أولاده بالقاهرة، لكي لا يكونوا عبئا على عمهم الذي يقيمون عنده، كما أنه كان قد عود زوجته على مستوى عال من المعيشة، ولا يريد أن يشعرها بأي تقصير، ولذلك فقد سلك طرقا غير مشروعة، وأصبح يتلقى الرشاوى من المواطنين ليخلص لهم أعمالهم، وهكذا أصبح المال متوفرا لديه بكثرة، وعاش في سعادة مع زوجته إنشراح، وهو يرى أحلامهما وهي توشك أن تتحقق.

ولكن حدث في أكتوبر سنة 1966 أن تم ضبط إبراهيم وهو يتلقى رشوة، وبعد محاكمة سريعة تم الحكم عليه بالسجن وقضاء 3 شهور خلف القضبان، وقد عانت زوجته إنشراح كثيرا خلال هذه الشهور الثلاثة ماديا ومعنويا، وبعد انقضاء الشهور الثلاثة خرج إبراهيم ليعاني مما أوصل نفسه إليه، وأصبح يرى أحلامه وآماله نحو الارتقاء والثراء تكاد تتحطم أمام عينيه وهو عاجز عن التصرف.

وما زاد الطين بلة والمرارة علقما هو ما حدث في يوم 5 يونيو سنة 1967، حيث اجتاحت القوات الإسرائيلية سيناء واحتلتها، وهو ما أدى إلى غلق جميع الأبواب أمام الزوج إبراهيم، حيث أصبح عاطلا عن العمل بعد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بسبب توقف العمل بمكتب مديرية العمل بالعريش، وأصبح غير قادر على كسب مال يتعيش منه هو وزوجته، أو يرسل منه لتعليم أولاده بالقاهرة، كما أن طريق العريش القاهرة قد أغلق، وأصبحت العريش كلها تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، مما كان سببا في عدم مقدرته على السفر للاطمئنان على أولاده بالقاهرة.

وهكذا كان وقع الاحتلال الإسرائيلي لسيناء كالصاعقة على رؤوس أهلها جميعا، فقد اختنقت نفوسهم وضاقت عليهم أرضهم المحتلة رغم اتساعها، كما ضيق عليهم الاحتلال الخناق من كل جانب في المعيشة والتنقل، وأصبح على من يرغب في السفر أن يستخرج تصريحا من الحاكم العسكري الإسرائيلي، وهو ما كان أشبه بالمستحيل ويحتاج لمعجزة لتحقيقه.

وسعيا وراء تحقيق المعجزة وتحطيم المستحيل فقد حدث في أحد الأيام أن توجه إبراهيم إلى مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء ليطلب منه تصريحا له ولزوجته الملتاعة والملهوفة على أولادها بالسفر إلى القاهرة للاطمئنان عليهم، ولكن هل يتحقق له ذلك؟ وهل يستجيب الحاكم العسكري الإسرائيلي لطلبه؟

هذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، فانتظرونا.


المصادر:

كتاب "أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور" محمود عبد الله.

كتاب "كل شيء هادئ في تل أبيب" حسني أبو اليزيد.

برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.

كتاب "جواسيس الموساد العرب" فريد الفالوجي.

جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.

فيديو للجاسوس "رافي بن ديفيد".


تعليقات