عزة عز الدين تكتب: ذكريات أم

  • جداريات Jedariiat
  • السبت 21 مارس 2020, 10:14 مساءً
  • 734
الكاتبة عزة عز الدين

الكاتبة عزة عز الدين

هذه لحظة تجسد فيها الوجد بكل معانيه الحب، الشجن، الاشتياق، الحنين  تناولت كوباً من الشاي بالحليب صباحاً مع ابني ربما أعددته أنا مبكراً للمرةِ الأخيرة وقد ذاب قلبي في عمري كما السكر في الحليب.


بعد اليوم ستقوم زوجته إن شاء الله بهذه المهمة الجميلة في منعطف جديد لحياتي وحياته وحياتها.  

منعطف إجباري سعيد تتبدل فيه الأدوار والتفاصيل والأولويات.


نعم إنها سنة الحياة ولكن للسنن أيضا وقفات وهيبات.

ومع أول رشفة مر أمامي شريط من العمر مدته ستة وعشرون عاماً،  بدايته طفل جميل, تبارك الله أحسن الخالقين، أضمه وأهدهده وأقبله وأغمره حناناً يتشبعُ به. 


 أزرعُ فيه ما أحتاجُ له وقت الحصاد إن كان للعمر بقية،  وها هو الطفل يفارق حضني لأول مرة في أول يوم له في الحضانة،  أذكر وقتها أني وقفت على بابها بعد أن استقبلته المعلمة وأغلقت الباب،  كنت أسمع صراخه وقد شعر الصغير بالغربة والرهبة فأتألم وأبكي وأتمنى لو ألتقفه وأعود.

 

أزعم أنها لحظة قاسية عاشتها كل أم.   ثم إلى المدرسةِ ليعود في اليومِ الأول مختزناً في ذاكرته تفاصيل اليوم،  يحكيها لي بسرعة وحماس  يضحك ويبكي ويسأل ويفكر ويخاف ويطمئن. 

  لست أدري كيف مرت سنوات الدراسة بهذه السرعة لنصل إلى "عنق الزجاجة"  كما نسميها وفيها عشنا أصعب التفاصيل.

تمر السنة ثقيلة،  كد وإرهاق وخوف وقلق لنعبر عنق الزجاجة بشق الأنفس.   

ثم تسعدني يا حبيبي بتفوقك فأسجد لله وأبكي شكرا وفرحا، وإلى مائدة المفاوضات نختار من كليات القمة ما يناسب ميولك ونترك لك القرار.


 تمر سنوات الجامعة بسرعة سنوات الدراسة لتتخرج وتلتحق بالعمل،  تلاحقك دعواتي في كل خطوة.

عين الله تحرسك.

وفي أول أيام العمل تلتقي بها، فتاة جميلة خلوقة هادئة كما وصفتها وأنت تخبرني (حبيتها يا ماما).  

فهنيئاً لها قلبك الغالي وأنا معك إذن حتى نتوج هذا الحب بالزواج. 


ها هي اللحظة قد اقتربت وستعد لك هي أكواب الشاي وأصناف الطعام التي تحبها،  ستستقبلك عند عودتك لتبتسم لك كما كنت أفعل و تسمع أخبارك.

هاهي حياة جديدة في انتظارك ستصبح فيها راعيا مسؤولا عن رعيته.


ومع آخر رشفة في هذا الكوب الخاص جداً وبعد أن مرت أمامي هذه التفاصيل المختصرة،  أسأل الله لك حظاً أسعد من حظي ورزقاً أوفر من رزقي وسعادةً تملأ قلبك وروحك وأوصيك في كل لحظة بتقوى الله عز وجل فمن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.


ثم أوصيك خيراً بفتاة طيبة ستصبح اليوم بإذن الله في كنفك وأمانك واحتوائك، عاملها كما تحب لأختك أن تُعامل وعظم فيها قول الرسول (ص) ما "أكرمهن إلا كريم".


أما أنت يا ابنتي فلك قطعة من روحي يعلم الله كم سهرت و شقيت عليها،  وستدركين محبتهم حين تصبحين أماً بإذن الله. 

أوصيه علي كما أوصيته عليك،  لا تسمحي لمفرمة الحياة أن تلهيكم عني حتى لا تهتز الأرض تحت قدمي أكثر ما اهتزت.

أسعدكم الله وأرضاكم ورضي عنكم وغمركم من فضلِه مودة ورحمة واستقرار. وأكمل فرحتكم بذريةٍ صالحة بارة.


أما أنا فسأتولى ترتيب حقيبتك، سأضع فيها أشياءك الصغيرة وبعضا من الصور والأوراق والعبرات، وسأتمم عليها تماماً كما كنت أتمم على حقيبتك المدرسية من قبل.

تعليقات