أحمد محمود يكتب: الحكاية

  • وسيم الزاهد
  • الإثنين 07 يونيو 2021, 9:31 مساءً
  • 819
صورة أرشيفية

صورة أرشيفية

في يوم من الأيام وعلى حين غرة علا صوت أحد السكان، تنبه الجيران إلى صوت الشجار وإذا بأحد المشاغبين ينتهك حرمة بيت أحد السكان ويرغمه على الخروج من شقته تحت تهديد السلاح مع وابل من السب والشتم، ولم يستطع أحد السكان أن يوقفه عند حده؛ حتى جاء صوت أحد السكان يقترح أن يترك صاحب الشقة الأمر لليوم التالي حتى لا يتأذى أهل بيته وأنهم سيخرجونه غدا بطائلة القانون، وفي اليوم التالي انتظر مالك الشقة أن يفي السكان بوعدهم له، فاقترح أستاذ سيد بإقامة مجلس يترأسه رئيس اتحاد ملاك العمارة ليتم عرض الموضوع بالكامل وفهم الأمر، ولماذا يفعل ذلك المعتدي هكذا دون سابق إنذار، وافق الجميع على الفكرة واجتمع السكان وبدأ المالك بالحديث أنه في وقت من الليل دق جرس شقته، وعندما فتح الباب إذ بأحدهم يغتصب حرمة بيته ويريد أن يسكن في الشقة، قطع حديثه السالف ذكره وبدأ يعرف عن نفسه قائلا أسمي سليمان الناصري ثم استدرك أنا لا أعرف لماذا فعلت ذلك؟ ولكن أعتذر منك أمام هذا الجمع على فعلي. 

أنا أعرفك جيدا وأعلم أنك محمود الطوية  وسيرتك حسنة بين الناس. وكنت أريد أن أكون مستأجرا عندك ولكن لم أكن موفقا في اختيار الكيفية، وتصرفت بما جبلت عليه بيد أنني لم أكن واعيا بالكامل فأنا أعاني من اضطراب نفسي نتيجة لحالة من التنمر تعرضت لها في صغري. ولأثبت حسن نيتي سوف أعوضك عما حدث بما سيحكم به المجلس، وأنا على أتم استعداد لأية تكلفة مالية ودفع إيجار سنة مقدما ومبلغ التأمين الذي تريده، صمت المجلس وسيطرت حالة من الذهول على السكان، أراد المالك أن يتحدث فقطع حديثه السيد قاسم بن حمد رئيس اتحاد الملاك قائلا: اعتذر لك بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن جميع السكان عن سوء ظننا بك، والأستاذ صادق الجراح على أتم الاستعداد ليكتب معك العقد فوافق أستاذ صادق في لجاجة.

كانت معاملة سليمان حسنة مع جميع السكان وكان دائما يحاول بناء علاقات تجارية واجتماعية معهم، كان يقرب الناس منه ويقيم حفلات الشواء في يوم الأحد من كل أسبوع ويستضيف العمارة كلها، كان كريم النحيزة أو هكذا كان يريد أن يبدوا هدفه نشدان السلم مع كافة السكان، ولكن أولاد أستاذ صادق لم يستريحوا له ولا لطريقته الغريبة التي يريد بها أن تلتف جميع الناس حوله، كان يفتح مصدر دخل إضافي لكل السكان ومن يراه حالته المادية ليست على ما يرام كان يسانده بمعونة شهرية؛ نظير معاملته الحسنة له، والثناء عليه بين السكان والوقوف في صفه في أي مسألة داخل العمارة أو في اجتماعات اتحاد الملاك. وإذا أراد أحد الجيران أن يستثمر رأس ماله كان يعطيه إلى سليمان بعائد ربح كبير جدا كي يضمن سليمان بقائه معه. كانت علاقة سليمان تزداد يوما بعد يوم مع السكان ولا يخلو منزل من الحديث عنه وعن أخلاقه وحسن تربية أهله له وسمته الحسن؛ على الرغم من عدم معرفة أي منهم لأحد من أقاربه. زادت علاقة صادق به كثيرا وكان ينتظر ضيافته كل يوم على مضض، على عكس أهل بيته وكان صادق دائما يتشاجر مع أولاده وزوجته ويعذرهم إذا تجرأ أحد منهم على ذكر أسمه بسوء. أصبح سليمان مصدر دخل معظم العائلات لدرجة أن عددا منهم لم يعد يعمل معتمدا كليا على ربح أمواله التي يعطيها له سليمان، وهذا ما كان يقلق عائلة صادق.

 وفي أحد الأيام تأخر سليمان عن دفع الإيجار لصادق وكان هذا مغاير لما عهده عليه كان دائما يدفع الإيجار مقدما، وعندما طالبه صادق بالمال أَعْزَى ذلك إلى النسيان من كثرة أشغاله. ولم يفت بضعة أشهر إلا وحدث نفس الأمر لدرجة أن سليمان مر عليها عدة أشهر ولم يعد يدفع الإيجار، وعندما طالبه صادق على مرأي ومسمع من السكان أنكر سليمان الأمر وقال أنه يدفع الإيجار مقدما قبل بداية الشهر؛ مستشهدا بأحد السكان أنه كان حاضرا منذ أيام وهو يعطي صادق المال أومأ رفقي المحامي رأسه بنعم هذا ما حدث أمامي. وقع الرد على أذن صادق كالصاعقة ولم يستطع أن يجيب بشيء، فعزره جميع السكان مستنكرين فعلته مع سليمان واعتذروا جميعا له على ما حدث. لم يرد سليمان بأي شيء كان هو وصادق يرمقون بعضهم البعض بنظرات التحدي، انسحب صادق من الوسط وهو يفكر كيف حدث هذا، كيف استطاع رفقي أن يثبت كلام سليمان مع أنه لم يكن موجودا؟

 وما الذي أجبره على قول ذلك؟

 كانت كل هذه التساؤلات تجول في ذهن صادق.

 تكررت هذه الأحداث على مر عدة أشهر لم يعلق عليها صادق ولم يلقي لها بالا؛ وكأنه اعتاد الأمر.

 كانت عائلته تتساءل كثيرا عن رضوخ والدهم تحت نير سليمان وكأنه يستحوذ عليه، وكلما ذكروا سيرة سليمان ينتفض الأب من مكانه ولا يحرك ساكنا؛ وكأنه لا يقدر على مواجهته. مرت فترة عصيبة وضائقة مادية على صادق اضطرته للاقتراض من جيرانه، ولكنهم جميعا اعتذروا منه لصعوبة هذه الفترة، فلم يجد أمامه غير سليمان وكأنه كان يدبر لكل هذا، وما أعنت صادق على ذلك غير حاجته الشديدة. 

أصبح يقترض شهريا حتى عائد الربح الذي كان يأتيه من سليمان لم يعد كافيا، أصبح المال الذي يدين به لسليمان كالجبل فاضطر ليبيعه الشقة التي كان يسكن بها سليمان ليسدد هذا الدين. ذاع الخبر في العمارة وأصبح صادق حديث السكان، كيف بعد أن كان سليمان مستأجرا عنده يصبح هو المالك؟

 أصبحت حالة صادق يندى لها الجبين لم يتحمل كل هذا العيبء ومات على الفور عزم أولاد صادق وعائلته على القصاص من سليمان لأنهم يعلمون جيدا أن موت والدهم هو السبب فيه. 

في أحد الأيام صادف سليمان أبن صادق الأكبر القاسم، وعندما همَّ في تعزيته علا صوته وأخذ يزمجر ويتهمه بموت والده وأنه كان يحتال عليه؛ خرج الجيران ليروا ماذا يحدث، وحرص سليمان ألا ينطق ببنت شفه ويدع السكان يدافعون عنه، أردف أستاذ كريم قائلا: والدك هو السبب في كل هذا لم يجبره أحد أن يجعل سليمان مستأجرا عنده، وتحدث قاسم بن حمد وقال لم نري سوءا من سليمان، هو صديق الكل ويساعدنا جميعا ونعيش معا في بيت واحد، إلا أن والدك لم يحبه بيد أنه أتهمه بالتهجم عليه في شقته ونعلم جميعا مبلغ التعويض الذي جناه والدك من هذه الحيلة. قاطع الحديث صوت المهندس أحمد وهو يقول: جميعنا نعلم الضائقة المادية التي كان يمر بها والدك؛ لذلك باع إلى سليمان الشقة وهو مشكورا قبل بذلك كي يسدد والدك المال له. فإذا كنت تريد أن تلوم أحد فلم والدك على أفعاله لم يجبره أحد أن يبيع شيئا. تحدث الجميع ثم جاء دور القاسم: قال آرائكم جيمعا مختلفة ولكن جميعها تجتمع على إثم والدي أليس كذلك؟

 ولكني لن أترك سليمان ولو كانت آخر لحظة في عمري ومن منكم سيقف بجانبه سيصبح عدوي. رد عليه قاسم بن حمد ما هذا الهراء الذي تهرف به وعدو ماذا هل أصابك شيء بسبب الحزن على والدك؟

 أردف القاسم قائلا: لا لم يصبني شيء ولكن لك أن تتخيل عندما يسرق أحدا بيتك بديل أن يقف بجانبك ضده وأساعدك على طرده، أنصحك بجعله مستأجرا عندك بداعي الخوف منه وتجنب شره في المستقبل ليس هذا وحسب، بل يتعامل معه جميع السكان كجار مثل باقي الجيران ليس كمغتصب لحق غيره، غير العلاقات التجارية المتبادلة بينكم وكأنك تقول له زد في فسادك واعتدائك، كل هذا حدث أمام سليمان ولم يتحدث بكلمة واحدة فهو يعلم تمام العلم أنه لا يحتاج أن يدافع عن نفسه في وجودهم؛ فهم يدينون إليه باستقرار حالتهم المادية وتجارتهم معه، فإذا حاول أي منهم أن ينحاز إلي القاسم سيحدث له كما حدث لصادق الجراح الذي كان ضحية قرار قاسم بن حمد الأهوج، وبرغم كل هذا إلا أن القاسم يعلم أن هذا كله بسبب تخاذل والده وانصياعه لقرارات طائشة لن تضر أحدا منهم إلا هو، وما زاد الأمر تعقيدا تحالف باقي السكان مع سليمان ضد جارهم فقط لأجل مصالحهم الشخصية. توالت الأحداث ومازال القاسم عند وعده بألا يترك سليمانا ينعم بلحظة واحدة داخل العمارة.

تعليقات