"وساطة".. قصة قصيرة لزكريا صبح

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 11 أغسطس 2019, 09:24 صباحا
  • 1040
القاص زكريا صبح

القاص زكريا صبح

ما اسم الملك الذى كان واسطة بينهما؟ ومتى نزل من السماء فوق رؤوس الحاضرين هنا وعبر غبار كثيف صنع مظلة كادت أن تكون حاجزا بين الأرض والسماء كيف انسل من باب قبرها قبل أن يحكموا غلقه ثم سرى بين الواقفين يرفعون أكف الدعاء الخاشعة أن تترفق ملائكة الحساب بمن ترقد الأن وحدها؟ ومن دله على امرأة تقف حزينة خلف رجال قدت قلوبهم من صخر وغابت ضمائرهم بضع دقائق استطاعوا خلالها أن يوسدو ا الجسد الذى وهن التراب ويفكوا عنه للأبد أربطة القيد التى تشدها إلى الدنيا؟

كانت تقول فى نفسها والدموع حزينة فى عينيها ناظرة فى فضاء المقبرة: حاضر سآتى، انتظر أن ينفض الرجال الذين لايسمعون نداءها، سمع الملك لها فنفخ فى الغبار الكثيف فانقشع بعيدا بعيدا فبانت الشمس كأنها فوق الرؤوس تماما، تسلل الرجال واحد فى أثر واحد وهم يتصنعون الصبر والجلد، مد الملك يمينه فمدت له اليمين وسارت خلفه فأجلسها أمام باب صغير دهكه حفار القبور بالطين نظرت عبره كأنه استحال إلى ستارة من بلور فرأتها فى ركن مظلم ترقد خائفة ترتعش من الوحدة المظلمة، ترى ماذا قال الملك لامرأة فقدت كل الجمال لحظة ارتمت فى صدر أمها منذ قليل فلم تسمع له نبضا؟ ماذا عساه قال لامرأة وجدت نفسها فى ثوب أسود حدادًا على امرأة كانت تكره الأسود؟

الذين كانوا يشاهدون المشهد من بعيد ظنوا أنها جنت وإلا كيف تضحك امرأة يسألها ملك كان يفتح صحيفة من بلور يخط فيها بقلم من نور كل ما ينطق به لسان لا يتحرك عبر شفاه لا تتحرك، خمشت بأظافرها باب القبر وطرقت طرقات خفيفة فهى تعلم أن الضوضاء كانت تزعجها الملك نقل رسالتها للتى ترقد فى ظلمتها فانفرجت أسارير ميتة لم يبرد جسدها الضيئل بعد هل قالت للملك؟ قل لها لا تخافى أنا هنا بالخارج أنتظر أن تهدأ روحك ويسكن جسدك؟ هل قالت للملك قل لها إننى سأبقى هنا حتى تصعد الصحائف إلى ربها الملك عاد يقول إنها تقول: انهضى يا ابنة القلب واذهبى سريعا سريعا خلف الذين غادروا المقبرة اخشى عليك أن يغشاك ليل الموتى هنا والليل كان يوشك أن ينقض على الدنيا كعادته فيحيلها إلى سكون حزين، لكن الملك توسل هذه المرة للشمس أن تبقى قليلا حتى تنتهى مهمته المقدسة هنا قالت المرأة التى تقف أمام باب صغير لا تدرى كيف أجبروا أمها على اجتيازه هيا انهضى أنتِ وأت معى أنا لن أعود بغيرك، ارتبك الملك قليلا وأسقط فى يده لم يستطع أن ينطق مقالة المرأة الواقفة أمام قبر أمها الشمس استحت من مقولتها فغادرت السماء وتركت خلفها شفقا برتقاليا كاد يتوهج والذين بالخارج كانوا ينادون المرأة التى تقف أمام قبر ساكن إلا من حركة خافتة لأقدام تتحرك ببطء نحو الخارج أعادوا النداء هيا الحقى بالأحياء يا ابنة الميتة فى هذه اللحظة، رأت المرأة الملك الذى كان واسطة بينها وبين امرأة ترقد وحدها رأته يغادر السماء الدنيا مخلفا وراءه صوت نحيب ملائكى انكبت الابنة على باب القبر تبكى بحرقة وهى تجذب الباب بقوة حتى انفتح على ظلمة جذبت عقلها لكنها رأت نفسها تتأبط ذراع أمه كى يلحقا بالأحياء الذين غادروا المقبرة.

تعليقات